بالرغم من أنّ "الراصد الجوي" الأردني المبدع محمد الشاكر، الذي يثق به الشارع، طمأننا بأنّ ما قيل عن منخفض "نتاشا"، في بعض المواقع الإلكترونية، غير صحيح، وأنّ المواطنين سيجدون وقتاً جيداً لإحصاء خسائرهم المالية-الذاتية من كلفة "أليكسا"، وانتظار انتهاء ذيوله من الطرقات والبنية التحتية والكهرباء؛ إلاّ أنّ العواصف التي تداهم "الشعب" ومسلسل الصدمات ما يزالان مستمرين!
بالطبع، الأردنيون يفضّلون "أليكسا"، ويرحبون بقدوم "نتاشا"، ويتحملون انقطاع الكهرباء وتعطل السير، والأسعار المرتفعة القاسية للمحروقات، وربما البرد، على ما طرحه وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، أمام اللجنة المالية في مجلس النواب؛ إذ يتجاوز وقع سماعه لدى الأردنيين، المنخفضات الجوية كافة!
الوزير تحدث عن 100 ألف طالب وطالبة في الصفوف الثلاثة الأساسية الأولى لا يعرفون قراءة الحروف والأرقام، يشكّلون ما نسبته 22 % من طلبة المدارس في الأردن. وربما يظن البعض أنّ هذا الإخفاق، في مثل هذه السنين الأولى، مشكلة، لكنّها ليست كبيرة جداً عندما يبدأ هؤلاء الطلبة بتجاوز حالة "الأميّة" بعد تلك الصفوف الأولى!
تلك النتيجة أو الخلاصة، كما يعرف الأكاديميون والتربويون، غير صحيحة؛ فهذه الصفوف أكثر أهمية من الصفوف المتأخرة. والتعلّم فيها، ليس فقط القراءة والكتابة، بوصفهما تقنيات للتعلّم، بل تجسيد لمعنى المعرفة والثقافة، وما تحمله من استبطان للقيم الأخلاقية. ما يجعل اهتمام الدول الغربية والمتقدمة بمواصفات المعلّمين ومؤهلاتهم في هذه الصفوف، أكبر بكثير ممن يتولون تدريس الصفوف المتأخرة.
ربما لو جاد علينا الدكتور الذنيبات بأكثر من ذلك، مما لديه من المعلومات والبيانات، وأخبرنا عن حالة طلبة المدارس في الصفوف التالية، في المدارس الحكومية بالطبع، فأعتقد أنّ مستوى القلق لن يقلّ على التعليم، بل سيزداد ويتجذّر لدينا جميعاً!
ماذا لو انتقلنا إلى التعليم الجامعي، هل سيختلف الأمر؟! أعتقد أنّ وزيرنا الدكتور أمين محمود، حين يقرأ هذه السطور، لن ينتظر قراءة الإجابة، سيقول في نفسه: "فتحت جرحاً عميقاً". ولا أظن أن جواب الدكتور محمد عدنان البخيت، وغيره من أعلام التعليم العالي، سيختلف عن ذلك.
ما ظنّكم لو قمنا بالتجربة نفسها على عينة من طلبة الجامعات، ووضعنا لهم امتحاناً في الإملاء والقراءة باللغة العربية، ماذا ستكون النتيجة؟ حسناً، ماذا لو وسّعنا دائرة الامتحان، واختبرناهم في البحث العلمي وأصوله ومناهجه؟ أو في القدرة على القراءة العلمية النقدية؟
لا أريد أن أرعبكم مما يعرفه الأكاديميون وأساتذة الجامعات! لكن تأكدوا تماماً أنّ العنف الجامعي وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة والمجتمع، وانتشار الفساد المالي، وعدم احترام القانون، كل ذلك له جذر في موضوع التربية والتعليم، والتعليم العالي. وما حدث من تدمير وانهيارات فيهما خلال العقود الأخيرة، يتجاوز كثيراً، بل لا يقارن، بما أحدثته "أليكسا". فما قاله وزير التربية والتعليم، عملياً، هو أنّ تسونامي كبيرا مرّ من هنا، وأحرق الأخضر واليابس، وضرب بعمق مستقبلنا!
عندما أظهرت الاختبارات العالمية أنّ طلبة الولايات المتحدة الأميركية متأخرون في المواد العلمية عن طلبة المدارس اليابانية وبعض الدول الأوروبية، قامت الدنيا ولم تقعد هناك، وتصدّر الموضوع أغلفة المجلات العالمية المشهورة، مثل "نيوزويك"، وخلق نقاشاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والثقافية.
دعونا نراقب أي ردود فعل على ما أعلنه الوزير الذنيبات بأنّ 22 % من طلبتنا بمثابة أميّين. أخشى أنّ تلك الردود لن تتجاوز بعض البكائيات والرثاء، كما حدث عندما أعلن الدكتور محمد عدنان البخيت قبل أعوام، بأنّ التعليم العالي يحتضر؛ فماذا فعلنا؟!
(الغد)