كل عام وأنتم بخير.. بأمل أن تحمل السنة المقبلة تطورا أفضل، وحياة أسعد وأقل دموية. كل عام والجميع بخير لمناسبة ذكرى رسول السلام، السيد المسيح عليه السلام.
هي مناسبة سنوية تعود علينا كل عام، لتذكرنا أن مهد المسيح ما يزال يدنس من الفئة ذاتها التي تآمرت على المسيح قبل نحو 2000 عام، فتكالبت عليه تعذيبا وتهجيرا وملاحقة.
تحل الذكرى هذا العام، والسلام أكثر ابتعادا، والعالم أكثر دموية، وعذابات الشعوب أكثر قسوة، وحجم المؤامرات على بعض الدول أكثر وضوحا، والإرهاب أكثر عنفا، والاحتلال أكثر جبروتا، والجوع أكثر فتكا، والفقر أكثر اتساعا، والوطن العربي أكثر تقسيما وأكثر تطرفا.
عذرا، فكنيسة المهد في الأسر، و"القيامة" تحت نير الاحتلال، والناصرة العربية تكافح تهويد عصابات فاشستية إرهابية متصهينة تحاول طمس روحها وحضارتها ولونها. ولكن المدينة بفضل رجالاتها تقاوم وتقاوم، وتسير على خطى شاعرها الكبير توفيق زياد، وتردد معه: أناديكم.. أناديكم.. أشدّ على أياديكم.. أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم. وتقول أيضا: "أنا ما هنت في وطني ولا صغّرت أكتافي.. وقفت بوجه ظلامي يتيما، عاريا، حافي.. حملت دمي على كفي وما نكّست أعلامي.. وصنت العشب فوق قبور أسلافي".
إذن، هي صرخة الغضب تدوي في كنائس الناصرة وبيت لحم والقدس ورام الله وبيت ساحور، كما تدوي في كنائس دمشق ومعلولا غضبا وحزنا مما يحدث من إرهاب دموي يأكل الأخضر واليابس، وبروز أفكار تكفيرية ترفض الآخر وتلفظه ولا تعترف به.
كل عام وأنتم بخير. هي رسالة سلام ترتفع من أركان "الأقصى"، والحرم الإبراهيمي، والمسجد الأموي، تدعو للتسامح والصفاء والنقاء، وتقبل الآخر، وترفض الأفكار التكفيرية باعتبارها خارج مفهوم الرسالات السماوية السمحة.
ورغم المآسي والإرهاب الذي يدمي يوميا حارات وساحات وأسواق بغداد، سنجد مساحة نقول فيها لكل من يحتفل بالميلاد المجيد: كل عام وأنتم بخير.
رغم فتاوى التكفيريين وتغول الظلاميين القتلة الذين لا يفرقون بين مسلم ومسيحي وسني وشيعي، ويوغلون قتلا واغتصابا في دمشق ويلوثون ياسمينها، ويوغلون في المدن السورية الأخرى، نقول: كل عام وأنتم بخير.
فأولئك الظلاميون لا يعرفون رسالة الإسلام السمحة، ولا تعاليم المسيح، وإنما يعرفون تعاليم من مولهم ودربهم وصرف عليهم أموالا طائلة كان يمكن أن تصرف لتحرير "الأقصى" و"المهد" و"القيامة" من دنس احتلال جثم فيها سنوات طوال.
نقول كل عام والجميع بخير. فالظلام لا بد أن ينجلي يوما، ولا بد في نهاية المطاف من أن يظهر النور، وتنهار ظلمة الليل للأبد، وينكشف أولئك القتلة على حقيقتهم، وتظهر حقائق من موّل ودرب وأرسل وجهز.
كل عام وأنتم بخير، مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة، أكرادا ودروزا، أرثوذكس وكاثوليك، لاتين وأرمن، وكل محبي السلام ورافضي الإرهاب والتطرف بخير.
كل عام ودمشق وبغداد وعمان وبيروت والقاهرة وتونس وصنعاء بألف خير، كل عام والصامدون في القدس وبيت لحم ورام الله وبيت ساحور وغزة وحيفا وبئر السبع وعكا والناصرة، والصديق برهوم جرايسي، بألف خير.
ولأولئك الصامدين المحتفلين بالعيد، وبميلاد المسيح نردد: "كأننا عشرون مستحيل في اللد، والرملة، والجليل... هنا على صدوركم باقون كالجدار.. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبّار... وفي عيونكم زوبعة من نار".كل عام وأنتم بخير. وميلاد مجيد.. وعيد سعيد
(الغد)