عبر عقود الدولة الأردنية تم إنجاز بناء مؤسسات إعلام رسمية وشبه رسمية قدمت أداءً ايجابياً، ودافعت عن رسالة الدولة وما زالت، ومارست دورها بل كانت صاحبة ريادة حتى على الصعيد العربي، وقدمت وما زالت كفاءات وأقلاماً وسياسيين وأصحاب رأي وفكر.
لكن الدولة الأردنية وهي تفتح نوافذ الإصلاح، وتقدم قيادتها الرؤى والأفكار لتجديد المسار للعقود القادمة تحتاج إلى ثورة بيضاء في إعلامها الرسمي وشبه الرسمي الذي لا يخلو لقاء حول الإعلام إلا ولحقه النقد حتى من المسؤولين، بينما المديح لغيره، مع أن عقلية المسؤول جزء من مشكلة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، لأنه يغضب إن تم اختصار خبر يخصه أو تصريحات له، مع أننا ندرك أن الإعلام المباشر وصور المسؤولين وأحاديثهم الطويلة أصبحت تناقض المهنية وينفض عنها المشاهد والمستمع.
جوهر القضية هو الحاجة إلى « استدارة « جريئة مدروسة تضمن للدولة إعلاماً مؤثراً يملك المصداقية وسلامة المهنية وتحرراً من غضب أشخاص وأهوائهم حاملاً لرسالة ومهمة ودور.
البعض يحاول الهروب من أصل المشكلة إلى تغيير في بعض الأشخاص، لكن المشكلة الأولى والحقيقية ليست في أشخاص بل في البوصلة التي يتحرك بموجبها الإعلام، والإمكانات التي يملكها، فكل مؤسسات الإعلام الرسمي وشبه الرسمي غارقة في المشكلة المالية، ولا تختلف عن البلديات في نسب الإنفاق على الرواتب، بينما الإعلام اليوم مُكلِف ويحتاج إلى إمكانات مالية وتأهيل وتجهيزات، ويحتاج أيضاً إلى عقليات إعلامية مبادرة.
كل ما يمكن أن يقال في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تفاصيل يعلمها الجميع، وقد تكون هناك حلول جزئية أو إغلاق لبعض المشكلات لكن الدولة الأردنية بحاجة إلى ثورة بيضاء وتجديد في العقلية والمسار وطريقة إدارة هذا الإعلام ورشاقته من الأعباء الإدارية التي تراكمت عندما تم التعامل مع مؤسساته باعتبارها وسيلة لتفريغ الواسطات وتعيين أعداد كبيرة على حساب موازنات تتآكل.
من الممكن أن يستمر الحال كما هو، وأن يكون المسار حاملاً لتغييرات في الأشخاص أو البحث عن حلول لمشكلة مالية أو قضايا آنية، لكن هذا لا يغني عن ضرورة وطنية لثورة بيضاء نحتاجها لضمان امتلاك إعلام مؤثر حاضر قادر على خدمة الدولة، وقادر على المنافسة، وكما تقوم الدول الحية بتجديد مسارات مؤسساتها المفصلية، فإن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بحاجة إلى تجديد يبنى على الإنجاز لكنه يضمن للدولة إعلاماً قوياً في ظل كل المتغيرات التي نشهدها في مزاج الناس ووسائل الإعلام وطرق التأثير، وما دامت أروقة المسؤولين أول الناقدين فإن ضرورة التجديد الحقيقي لا خلاف عليها.
البوصلة السياسية والمهنية، الإمكانات المالية والفنية، الرؤية، التأهيل، هي عناوين التجديد، وربما تجديد شباب المؤسسات من خلال عقليات فنية وإعلامية، مع القناعة بأن مؤسساتنا فيها كفاءات وقدرات يمكن الاستفادة منها في بناء مسارات عمل وإمكانات جديدة، مرةً أخرى فإن تاريخ إعلامنا ايجابي ورائد، لكن المستقبل لا يمكن إدارته دون ثورة بيضاء في إعلامنا الرسمي وشبه الرسمي، فكل من حولنا يسير نحو الأمام بينما نحن نتحدث عن مشكلاتنا.
(الرأي)