الأنباء التي تتحدث عن نية وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، قد تعني نسف خريطة الطريق التي يفترض أن تُنهي المرحلة الانتقالية، وتؤسس لحكم مدني ديمقراطي.
وللأسف، نجد بعض القوى المدنية الشريكة في الثورة، بنسختيها الأولى والثانية، تقف متفرجة على المشهد. لا بل وصرّح بعض رموز الحركة الثورية أنهم لن يترشحوا للانتخابات إذا ما ترشح السيسي.
على الرغم من أن الموجة الثانية من الثورات العربية قد انحرفت تماما عن طريقها وتحولت إلى حروب أهلية عدمية، كما يحدث في سورية؛ أو أسست لتفتت وغياب الدولة، كما يحدث في ليبيا؛ وإلى حالة من الضياع السياسي، كما يحدث في مصر وغيرها، إلا أنه تبقى هناك فرصة للنظر إلى هذه التحولات بمنظور العملية التاريخية، ولاسيما في مصر، بكل ما تمثله من ثقل سياسي وثقافي في العالم العربي، قادر على إحداث اصطفاف لصالح الديمقراطية.
وهذه هي القيمة التاريخية لما يمكن أن يحدث، وهو الأمر الذي ما يزال معلقا على كاهل الجماعة الوطنية المصرية بكل تياراتها، وبالطريقة التي ستحسم بها مصير الديمقراطية وعلاقتها مع الجيش.
لقد حان الوقت لأن تقول الجماعة الوطنية بكل تياراتها، للعسكرية المصرية: شكرا، وكفى إلى هذا الحد.
فقد حافظت العسكرية المصرية على الإمساك بلحظات الحسم التاريخي على مدى عقود طويلة من تاريخ مصر الحديث. وفي كل مرة، كان هذا الجيش يثبت أنه موئل الوطنية المصرية وملهمها؛ هذه الوطنية التي استطاعت أن تُخرج أكبر ثورتين في القرن الجديد، في أقل من عامين ونصف العام.
العسكرية المصرية اليوم، أمام اختبار من نوع آخر لهذه الوطنية؛ بقدرتها على استعادة الديمقراطية، وأن تتحول مهمتها الحقيقية إلى حماية الديمقراطية وضمانها. وهو ما ستحسمه الأيام المقبلة، بالقدرة على اختزال المرحلة الانتقالية واختصارها، ومنع أي محاولة للإقصاء السياسي، أو تقييد حريات الأشخاص والتنظيمات ووسائل الإعلام.
والمقصود هنا منع أي إقصاء للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بشكل عام، بل دفعهم بكل الوسائل لكي يكونوا شركاء فعليين في العملية الانتقالية، من خلال صناديق الاقتراع. ولا يتم ذلك إلا بتخلي القيادات العسكرية، وبشكل واضح، عن أي طموح سياسي في هذه المرحلة.
للأسف، تزداد ملامح التشاؤم يوما بعد يوم عند النظر إلى مستقبل الثورات العربية، حتى وصل الأمر حد الكفر بها وبما جاءت به خلال هذه السنوات؛ من قتل وتفتيت وتمزيق للعقائد السياسية والخرائط.
والصراع داخل الديمقراطية هو أمر مقبول في المرحلة الانتقالية، لكن ما يحدث اليوم بالمفهوم التاريخي بدأ ينحرف إلى مرحلة الصراع فوق الديمقراطية؛ أي إعادة إنتاج الاستبداد بأدوات قديمة وجديدة على حد سواء.
ينقص العالم العربي النموذج الديمقراطي في الانتقال، الذي يمهد الطريق للآخرين لمحاكاته. ومصر هي الأكثر تأهيلا لهذا الدور التاريخي. والمهمة تقع على كاهل العسكرية المصرية في هذه اللحظات، بأن تحفظ ماء وجه الثورات.
(الغد)