ليس الدكتور والمفكر عبد العزيز مسلم عدينات ، يرحمه الله، عابراً على تاريخ الأردن،إنه محطةٌ وجب الوقوفُ عليها لأي شخص أراد بحق معرفة تاريخ الوطن والتبصر به. لذا كانت زياراتي المتكررة له في سنواته الأخيرة في عمان تتقسم لأجزاء، منها صلة رجل له محبةٌ وفضلٌ من نوعٍ خاص في قلب أصهاري الذين هو عمهم، ومنها شعورٌ عميقٌ بأنني في زيارتي له أزور التاريخ نفسه. في لحظات معينة وهو يتحدث بشكل عادي وتواضعٍ ودقةٍ بأشياء مهمة جدا من تاريخ الأردن،كنت أشعر بأنني الأقرب إلى كل الحقائق التي يفني الباحث جهده وهو يبحث ليجدها ولا يستطيع.كل الكتب التي كانت يجب أن تكون ولم تكن كنت أملكها في تلك اللحظات التي كنت أجلسها معه.

لذا كان الشيء الوحيد الذي اعتدت أن افعله بعد كل لقاء متعمد وغير متعمد به،أنني أجد نفسي في فترة صمت عميق يتبعها جلوس في المكتب وتدوين كل حرف من الحروف التي كنت اسمعها منه.كنت التقيه بعد أشهر،وأحيانا سنوات،واستحثه بطريقة غير مباشرة لإعادة قصة ما من دون أن يعرف،أو أحيانا حتى يتذكر أنني سمعتها منه،فكان يعيدها بنفس الدقة والطريقة التي سمعتها سابقا منه.

وهذا هو مبدأ الصدق.القدرة على إعادة الحديث بنفس الشيء بأي وقت دون أن يتغير حرف مما قيل.لم أسمع منه شيئاً في حياتي وكان هو متعمدا أن يسمعه منه من يجالسوه.كانت الأشياء تخرج منه مناسبة للسياق، بكل تواضع يرويها ويذكر أسماء لم أرها في حياتي إلا من شاشات التلفاز.كان يتحدث عن أشياء بينه وبين تلك الشخصيات كبيرة وأحيانا عميقة، تعكس قوة العلاقة بينهما، حتى تشعر للحظة بأنه مدرسة في التواضع،تماما كما هو مدرسة بالخلق والصدق والمبدأ والشجاعة أيضا.هو مدرسة بكل ما ذكرت وربما أكثر.

كان رجل دولة لم يطلب الولاية،وربما زهد بكل المناصب في مواقف كثيرة. هو الشجاع الذي واجه أمواج تسونامي الخمسينات في بداية شبابه كجزء من الفعل وليس فقط ردة الفعل. فلم يكن سلبيا متفرجا،بل كان في قلب الحدث.وكان شجاعا في آخر حياته،فكان يستقبل سكرات الموت ضاحكا كما سمعت من مرافقه ابن أخيه نضال عبد الرحيم مسلم عدينات، وكان يبتسم وزوجته تبكي عندما يكون في طريقه لعميلة قلب مفتوح،كما سمعت منها ورأيت بأم عيني.

كان مسلماً لا يفارق القرآن الكريم يديه وهو يواجه المرض،ولا يستمع ويحن إلا لصوت عبد الباسط عبد الصمد. لم يكن المفكر الدكتور عبد العزيز بهذه الصفات التي قل نظيرها، نبتةً خرجت صدفة.فهو امتداد لتاريخ.ف مسلم هو أبوه الذي عرفته الطفيلة بشجاعته وكرمه،حتى غدا لقب أبيه "أبو عديني" أحد مترادفات كريم وشجاع.وعمه الشيخ سليم العدينات الذي كان فارسا بشجاعته وشيخا بكرمه من الصعب أن تمر على تاريخ الطفيلة وتتجاوزه "رحمه الله".

في هذه العائلة الكريمة-عائلة العدينات أسماء كبيرة بتواضعها ومناصبها،كان المفكر الدكتور عبدالعزيز عدينات ملهمهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فهو،يرحمه الله، إضاءة لا تختفي وضمير لن يتوقف عن النبض.