غالب الفريجات يكتب : دولة بين ملك وجيش
23-12-2013 11:54 PM
كتب الدكتور غالب الفريجات - عندما داهمتنا العاصفة الثلجية ساهمت إلى حد كبير في عري الدولة بكافة مؤسساتها الرسمية والشعبية، ورسمت صورة باهتة لتربية المجتمع ، فالحكومة كانت غائبة بكل مسؤوليها ، والأمانة / أمانة العاصمة لم تعلم فيما يبدو ما حلّ بشوارعنا ، وشركة الكهرباء كانت غضباً على الوطن والمواطنين ، لأنها ساهمت في اسدال ستار الظلام في بيوتنا ، فافقدتنا الحياة في داخل هذه البيوت ، التي تمتاز ببرودتها الحياتية والاجتماعية ، والجيش الأصفر حدّث عن سلوكيات سائقيه دون حرج ، فقد أصابتهم جرثومة الجشع في النهب والسرقة من جيوب المواطنين دون ذمة أو ضمير.
أما إعلامنا فكان ذا الوجهين الرسمي وغير الرسمي كل منهما يغني على ليلاه ، فأوقع المواطن في حيص بيص ، ولم يستطع أن يقف على قدميه أمام غياب مصداقية الكلمة وضياع شمولية المعرفة ، فقد كان همه ما يدور في العاصمة ، وكأن الوطن قد تم اختزاله في عمان ، والراصد الجوي قد أوقع الناس في حيرة من أمرهم ، فقد تضاربت تنبؤاته من أربعة أيام إلى أربعة عشر يوماً ، فتزاحمت الناس على أفران الخبز ، ومحطات الوقود دون مبرر أو دافع أخلاقي ، ولم يستطع أن يؤدي دوره المنوط به ، فكان حري به أن يصمت ، وأن يبلع الاذاعيون السنتهم فيما يهرفون .
ووزارة التربية والتعليم التي تحمل على أكتافها مسئولية ملايين الأطفال والرجال والنساء لم تكن في مستوى المسؤولية في مواجهة العاصفة ، فكأنها عصفت بكل ما نتعارف عليه في مثل هذه الظروف من وجود غرفة عمليات أو طوارئ تتابع الوضع خطوة بخطوة ، حتى أنها ضاعت بين هذا المدير وذاك في الاعلان عن الدوام المدرسي ، فقصّرت بما يجب أن تمليه عليها مسؤولية أطفالنا الذين كانوا ينزعون من فراشهم صباح كل يوم ثم يعودون أدراجهم بعد وصولهم بوابات مدارسهم .
جهازنا الأمني المكشوف منه والمستور كان غائباً عن أداء دوره ، وهو المعني بالوقوف إلى جانب الوطن وحماية المواطنين ، فغابت فلسفة الحماية لدى هذه الأجهزة ، ولم يجد المواطن لها أثر في الشوارع المغلقة ، رغم أنها سكنت نفوسنا دهراً من الزمن ، ولا زالت تمارس دور التدخل في شؤونا الخاصة ، فبات الوطن عارياً تماماً مما يستره من نخوة المواطن وثقافة العونة التي كانت في ضمائر آبائنا وأجدادنا ، يهبون لنجدة بعضهم البعض في كل صغيرة وكبيرة يواجهونها ، لتحقيق المكاسب والتقليل من الخسائر من الملمات والأحداث التي تلم بالوطن ، فالعاصفة الثلجية لم تكن إلا واحدة من الملمات الصغيرة التي تواجهها البلاد والعباد ، ونقاباتنا كانت في صمت كصمت الأموات رغم جيوش المنتسبين لها ، فغابت فرق العمل وهمم العاملين فيها .
وحده رأس الدولة الذي جاب الوطن طولاً وعرضاً ، وشارك في الوقوف إلى جانب المواطنين ، يمسح عنهم ما أصابهم ، فينقذ الملهوف ، ويقدم العطاء لمحتاج ، حتى وصل الأمر أن يشارك في مساعدة مواطن تعطّلت سيارته في الشارع العام ، ويحمل الطرود الغذائية على كتفه ، ليغيث بها مواطناً تقطعت به السبل ، أو يقف إلى جانب آخر محتاج إلى عون ومساعدة ، ورغم حركته الدائبة ، وسهره الدؤوب فلم تتحرك الحكومة التي في كثير من الاحيان يختبئ أعضاؤها وراءه عندما يقصرون في أداء الواجب .
أما جيشنا العربي الذي نعتز بنخوته التي أصابت كل المواطنين ، واعتز بها كل من شاهد نشامى الوطن يتسابقون للوقوف في خندق الوطن ، لمسح الدمعة عن وجه كل طفل ، فهم أبناء هذا الوطن ، هم أولاد المجتمع ، عيال فلاحيه وعماله المنغرسين في وسط كل عاصفة ، وقائد الوطن في وسطهم يتزنر بنياشيهم، غير عابئين بما يحملون من رتب بالقدر الذي يعبأوون بما تسبغ به آياديهم على وجوه الاطفال، والاخذ بيد الشيوخ والنساء ، هؤلاء الجنود الذين انحازوا للوطن ، فسهروا الليالي وقطعوا الشوارع والوديان ، ومسحوا ارض الوطن من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه يبحثون عن طالب مساعدة ، يقدمون الغذاء والكساء ، لكل أبناء هذا الوطن الذي يتغنى بشهامتهم ، وتسلقوا الجبال التي تكسوها الثلوج ملح الارض التي تخلينا عنها ، وقد تخلت عنا فيما يبدو ، وأنكرت وصلة انتمائنا بها.
كل واحد فينا عليه أن يسأل نفسه ، وماذا كان دوري ؟ ، وكيف أكون عضواً في مجتمع لا أساهم في غوث أبنائه ، ولا يكون لي مكان في زاوية من زوايا الوطن ، فكل واحد فينا يستطيع أن يقدم ما يستطيع، بدلاً من أن نلوذ جميعنا بالصمت أمام الملمات ، ونتفرغ للولولة وتوجيه الانتقادات ، عندها تنحسر كل السلبيات وتضيع كل الممارسات الخاطئة ، وينكشف كل الذين يستهدفون الوطن والمواطنين ، ويعمدون لاستغلال حاجة الوطن وأبنائه .
غداً تنحسر آثار العاصفة الثلجية فستتنافخ أجهزة الدولة ، ويتسابق المسؤولون في ادعاءاتهم في الانتماء ، ولم يعلموا أن هذه العاصفة الثلجية ماهي إلا تعبير صغير لامتحان عما ينغرس في ذهن الانسان من انتماء لوطنه ومواطنيه .
أخيراً فقد ضاعت الدولة إلا من ملك وجيش ، وأصبح واجب التغيير في كل أجهزتها حتى تكتحل عيون الوطن والمواطنين بمسؤولين ، يتسابقون في البذل والعطاء ، ويحملون هموم الوطن والموطنين على أكتافهم في كل زاوية من زوايا الوطن ، بعيداً عن المكاتب الدافئة التي أخملت العقول ، وعطلت روح المبادرة والارادة في نفوس ساكنيها .