تعاني المؤسسة التشريعية بغرفتيها؛ الأعيان والنواب، من التقادم والتثاقل والترهل، وضعف الفعالية والإنتاجية، قبل أن نتحدث عن تحقيق الديمقراطية وتمكين الإرادة الشعبية.
خسرنا ونخسر الكثير من الوقت في التردد والتخوف. وكان يمكن استثمار الفرصة لإنجاز تعديلات دستورية أكثر جذرية على الصيغة القائمة التي أصبحت عبئا على الدولة؛ فصيغة الغرفتين بالطريقة الحالية، تنطوي على هدر كبير في الوقت والجهد والمال. ومع ذلك، فلا ندري كم من الوقت سيمر قبل أن نفكر في إصلاح سياسي دستوري يعطي البلاد سلطة تشريعية حديثة ورشيقة وفعالة.
ليس صدفة أننا وجدنا أنفسنا في آخر جلسة مشتركة للأعيان والنواب، أمام خلاف دستوري على إجراءات أساسية.
وليس صدفة أن الخلافات الإجرائية داخل مجلس النواب تستهلك حصة واسعة في كل جلسة؛ إذ يتبارى نواب في التساجل حولها، مع أن الأصل أن برلمانا يقترب عمره من السبعين عاما قد حسم هذه الأمور، وكرس أعرافا ضيقت إلى أقصى حد الخلافات الإجرائية.
إن أي تجربة جديدة، تكشف بالممارسة عن ثغرات وفراغات في الأنظمة والقوانين والتعليمات، أو في النصوص الدستورية. وكانت آخر حالة بعد تغيير النظام الداخلي لمجلس النواب، هي انتخاب الرئيس ونائبيه. إذ سها النص عن القول ما إذا كان الفوز بالأغلبية المطلقة أو النسبية. واختلف المجلس على ذلك، وتقرر تحويل الأمر لديوان تفسير القوانين.
وهذه حالة سهو غريبة، تفسيرها البسيط أن أسلوب النقاش واتخاذ القرار والتصويت في المجلس يقع في الارتجال؛ حيث يظهر العديد من المقترحات أثناء النقاش، وتحدث عليها تصويتات من دون أن يكون الجميع قد سمع جيدا وقيم جميع المقترحات.
وكان أحد التعديلات الأساسية على النظام الداخلي للمجلس يتعلق بهذه النقطة تحديدا؛ أي إدارة النقاش والمقترحات والتصويتات بين المجلس واللجان والكتل. ولم يمر ذلك الإصلاح مع الأسف. وفي تقديري أن أغلبية النواب لم تقدر جيدا معنى هذا الإصلاح، والبعض فهمه فقط تقييدا لحق النائب في الكلام والاقتراحات.
والحق أن هذه ليست الثغرة الوحيدة؛ فنحن بحاجة إلى مراجعة جديدة، تستدرك كثير من الثغرات. ويا ليتنا نعود الى المقترحات الإصلاحية التي تم إسقاطها، مثل تشكيل اللجان، ودور الكتل، إلى جانب آليات النقاش.
هذه أمور فنية ذات أثر سياسي وتشريعي كبير، ما نزال نعجز عن إنجازها؛ فما بالك بإصلاحات أخرى تتصل بفعالية الديمقراطية البرلمانية، ما تزال تخضع لتفسيرات متشددة ومحافظة من مخلفات المجلس العالي لتفسير الدستور؟
لنتخيل الصيغة العقيمة للمسار التشريعي، والتي تقول إن القانون يذهب من الحكومة إلى مجلس النواب الذي يقره أو يعدل عليه؛ فيذهب إلى الأعيان، فإذا لم يقروه كما جاء من النواب وأدخلوا عليه أي تعديل، يعود إلى النواب؛ فإن أصروا على رأيهم يعود القانون إلى الأعيان، فإن أصر هؤلاء على رأيهم تتم الدعوة إلى جلسة مشتركة للتصويت على قرار الأعيان أو النواب، وبعدد أصوات لا يقل عن الثلثين، وإلا يُلغى القانون كله وتتم العودة إلى القانون القديم.
وتحت هذا النص توجد الخلافات التالية غير المحسومة حتى الساعة: هل يحق تقديم مقترح ثالث بديل والتصويت عليه؟ وهل التصويت على بنود القانون يحتاج إلى نسبة الثلثين، أم تنطبق هذه النسبة على القانون بمجمله فقط؟ هذا غيض من فيض اختلالات. وهي ليست إجرائية فقط، فوراءها اختلالات أعمق.
(الغد)