عندما أشعر بالاحتقان والغيظ الشديدين ألجأ –بعد الحوقلة والترجيع طبعا وتفويض الأمر إلى الله تعالى- إلى تفريغ طاقة الكبت في فصفصة البزر، بخاصة بزر دوار الشمس، الذي هو أقل ضررا من غيره، إن لم تكن فيه فائدة كبيرة..
قبل فترة اكتشفت طريقة أخرى لتفريغ شحنات الغضب، حينما تراكم شغل البيت على أم العيال، وبدأت بالشكوى الاعتيادية، هببت للمعونة، عارضا عليها أن أساعد، وفوجئت بها تطلب مني أن أحفر كومة من حبات الكوسا، ولم يكن لي أي خبرة في هذا الأمر من قبل، ولكنني وجدتها فرصة سانحة و– تحديا- لتفريغ طاقة الغضب داخلي في تجربة حفر الكوسا، ولعلمي اليقيني أن الإنسان يمكن أن يتعلم أي شيء إذا توافرت لديه النية، والعزم، والإصرار، وهكذا كان، وبدأت بحفر أول حبة كوسا، مستذكرا طريقة الوالدة -رحمها الله- في مسك «المقحار» وإدخاله بطريقة فنية في حبة الكوسا لفتح ثغرة فيها، ومن ثم إعمال هذه الأداة في توسيع الثغرة وصولا إلى إنجاز المهمة على نحو احترافي!
أصدقكم القول إنني حفرت ما يزيد على عشرين حبة كوسا، ولم أخطئ إلا في حبة واحدة، حينما غفلت عن «المقحار» بعد أن تنادى الأبناء لأخذ صورة تذكارية لي وأنا أحفر، فزل اللعين وخرج من أحد أطراف الحبة، مُحدثا ثقبا ليس كبيرا، وقالت لي أم العيال إن هذا الثقب لا يُخرج الحبة من دائرة الخدمة، إذ يمكن استعمالها حتى وهي مخرومة، عبر عملية ترقيع بسيطة!
حينما سئل يوسي سريد وهو يساري يهودي، ما شعوره وهو يتسلم أول حقيبة وزارية له، أجاب: سأتعلم كيف أكون وزيرا، ولا فرق كبيرا هنا بين تعلّم حفر الكوسا للمرة الأولى و تسلم حقيبة وزارية، فكلاهما فعل جديد، وله مقتضياته، ويمكن تعلمه، كما هو شأن أي ممارسة إنسانية!
قرأت على أحد المواقع الإخبارية مشهدا يرويه رئيس وزراء ما في بلد ما وهو يغادر مكان اغترابه، تضمن حوارا لطيفا بين «الرئيس» وبين سائقه، في الرحلة الأخيرة قام السائق بإيصال الرئيس للمطار وعلم الرجل بأنه قد يكون المشوار الأخير فسأل: سيدي ما الذي ستفعله في بلادك؟.. أجاب المسؤول الكبير: قد أشكل حكومة في بلادي. هنا قدّم السائق الملاحظة التالية: سيدي كيف ستفعل ذلك وأنت بعيد عن بلادك أكثر من كذا سنة؟ ثم أضاف السائق: ليست عندكم أحزاب وحكومات حزبية والعلماء يقولون إن الأجيال الشابة تتجدد كل خمس سنوات فكيف ستتفاهم مع الناس؟...
هل من حق أي شخص على الناس أن يعطوه فرصة كي يتعلم كيف يكون رئيس وزراء، أو وزير وهو يتسلم هذه المهمة للمرة الأولى في حياته، كما أعطتني زوجتي الفرصة في أن أتعلم طريقة حفر الكوسا، دون أن أخرم إلا حبة كوسا واحدة؟ لا أدري، ما أعرفه أن الإصرار والتصميم والنية الصادقة كلها كفيلة بنجاح أي عمل، سواء أكان رئاسة حكومة أو حفر كوسا!
بالمناسبة، تذكرت هذا المشهد برمته أمس وأنا أعجن واخبز، وأعد فطيرة فلافل، لا شطيرة فلافل، أي فلافل مشوية، لا مقلية، وهي المرة الأولى في حياتي التي أفعل فيها هذا الأمر، كانت النتيجة مُرضية إلى حد كبير، المهم أنني تعلمت بالكوسا الخاصة بي، والطحين الخاص بي، ولم أكلف أحدا ثمن تعليمي، ولم أتعلم البيطرة على حمير أحد!
(الدستور)