تلخص الرسالة الملكية لرئيس الوزراء، بمناسبة العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد مؤخرا، دور الملك كضابط إيقاع لأداء السلطات والمؤسسات الرسمية والأهلية.
لم يكن الملك مجرد مراقب للأحداث خلال "الثلجة"، بل مشارك فاعل في الميدان؛ زار مختلف المحافظات، وتنقل بين مختلف البلدات التي تضررت بفعل الظروف الجوية، وساهم في جهود الإغاثة بشكل مباشر.
التواجد في الميدان منح الملك فرصة معاينة المشهد عن قرب، وتقييم الأداء، وملاحظة الأصوات النشاز وتمييزها وسط الأصوات الوطنية التي عملت بجد لاحتواء آثار العاصفة.
لقد سعت أطراف عديدة لتسييس العاصفة الثلجية؛ نواب سارعوا إلى محاسبة الحكومة قبل أن تنقضي الأزمة، وشخصيات عامة أججت المشاعر ضد مسؤولين خدميين أملا في إقالتهم ومن ثم خلافتهم على الكرسي، ووسائل إعلام وجدت في العاصفة مناسبة لابتزاز مؤسسات طمعا في الإعلانات. وهكذا، كان لا بد من مداخلة من أعلى مستوى لضبط الإيقاع، وتوجيه النقاش الدائر حول أداء المؤسسات خلال العاصفة ليحقق الأهداف المطلوبة؛ وهي واضحة في رسالة الملك.
محاسبة المقصرين أمر لا بد منه. لكن استخلاص الدروس يفوق ذلك أهمية. يمكن لرئيس الوزراء أن يخلع اليوم وقبل الغد بعض المسؤولين من مواقعهم، لكن من قال إن تبديل الأشخاص سيُحسّن الأداء؟
في "الثلجة" الأخيرة، ثبت أن لدينا مشكلة عميقة تضرب في الجذور، وتعود في جوهرها إلى التراجع الكبير في روح العمل المؤسسي، ونقص القدرات المؤسسية، وقلة الخبرة في إدارة الأزمات.
لا يعني ذلك بالطبع أننا أمام قصة فشل. منطق كهذا راج خلال العاصفة، هو في اعتقادي غير منصف وظالم؛ فقد عمل كثيرون، مؤسسات وأفرادا، بتفان وإخلاص، وأنجزوا ما كان مطلوبا منهم. في المقابل، كان هناك من الموظفين العموميين من يطلب مالا من المواطنين مقابل تقديم المساعدة لهم، كفتح طريق.
ومثل هذه الممارسات الشاذة كانت حاضرة في المجتمع أيضا.
لقد كشفت الثلوج مدى أنانيتنا كمواطنين، واستعدادنا للتضحية بحقوق الآخرين مقابل تحقيق مصالحنا الشخصية. لقد تجلت الفردية بممارسات عديدة لمواطنين كان بعضهم على استعداد لإغلاق طريق عام مقابل التمتع باللعب بالثلج مثلا!
أما بشأن محاولات مزودي سلع وخدمات من القطاع الخاص، فحدث ولا حرج؛ أسطوانات غاز بضعف السعر، وخبز بثلاثة أضعاف، وأجرة التكسي من دون عداد، وقائمة لا تنتهي من التجاوزات على حقوق الناس.
كان أحدهم محقا في تعليقه الموجز على سلوك الأردنيين خلال العاصفة بقوله: لدينا فائض في الهوية، وعجز في مخزون المواطنة.
أما بعض مؤسساتنا، فهي الأخرى كان لديها فائض في الكوادر والآليات، وعجز في الأداء.
لكن، دعونا نضع ذلك كله جانبا، ونشرع في عملية التقييم. هنا، يتوجب على الحكومة أن تبادر، وبسرعة، إلى تشكيل لجان مختصة ومستقلة للقيام بهذه العملية التي ألح الملك في طلبها في رسالته للحكومة.
لا ينبغي أن تقتصر المهمة على تقييم أداء المؤسسات فقط، بل لا بد من مراجعة الأطر الهيكلية والتنظيمية لها. على سبيل المثال، أمانة عمان الكبرى؛ لقد بدت في العاصفة الثلجية، وعلى ما قامت به من جهود، مؤسسة بيروقراطية ثقيلة، تتحرك أذرعها بتباطؤ، بسبب المركزية المفرطة.
لا يكفي تقسيم عمان لمناطق للقيام بالمهمات المطلوبة وتقديم الخدمة للجمهور، هناك حاجة لتشكيل لجان في أحياء العاصمة، وداخل كل منطقة، تكون بمثابة أذرع محلية لتحديد الأولويات في كل حي، وتتولى إدارة الخدمات وشكاوى المواطنين، وتتبع لها مباشرة فرق عمل وآليات تتحرك بسرعة لفتح الشوارع وإصلاح الأعطال والتبليغ عنها. أما البقاء على صيغة المناطق وحدها مع التوسع الذي تشهده العاصمة، والزيادات السكانية المتسارعة، فهذا لن يساهم في تحسين مستوى الخدمات، بل تراجعها.
(الغد)