العاصفة الثلجية التي عصفت بنا قبل أيام، ليست الأولى وليست الأخيرة، ومازال موسم الشتاء في بدايته، وامامنا «المربعانية» و «سعد الذابح» و «المستقرضات» والحبل على الجرار ، وقد تعرضنا جميعاً لاختبار صعب ودرس قاس بكل تأكيد، على صعيد الحكومة والشعب، وعلى صعيد مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية كلها، وكانت النتائج دون مستوى النجاح لكل الأطراف، ونحن لسنا في معرض التلاوم، وتقاذف التُهم مثل الكرة، ولكننا في معرض المراجعة والتقويم، والوقوف على نقاط الخلل الجوهرية، والوقوف على المنهجية المتبعة في المعالجة .
هناك ظاهرتان فاقعتان في مجتمعنا تستحقان التوقف والمعالجة، وكلاهما يعبران عن منهجية غير علمية ، وتفتقران إلى الموضوعية ...
الظاهرة الأولى تتمثل بمنهجية كيل المديح ، وتعتمد على أمور شكلية !!
أما الظاهرة الثانية فتتجلى بشكل نقدي صارخ لا يخلو من الفجاجة، حيث تتم المبالغة بالنقد الجارح ، وكيل الشتائم ، من فئات تجيد القول ولا تحسن العمل ، وتتفنن في صنوف المطالبات الطفولية ، وهم يطلقون صيحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية ، وهم يقبعون حول المدافئ في بيوتهم ومنازلهم ويكتفون بأكل « الكستناء» ولا يكلفون أنفسهم بإزالة الثلج من أمام عتبات بيوتهم ، ولا يقومون بخدمة أنفسهم ، فضلاً عن جيرانهم، وأحيائهم !!
عندما تتعرض البلاد الى هذا النوع من العواصف، فهذا يعني إعلان حالة الطوارئ والاستنفار الحقيقي ، ما يقتضي أن يكون خطة متكاملة مرسومة سلفاً تغطي الأردن كلها، تكون بمشاركة الجيش والأمن والدفاع المدني والحكومة بكل مؤسساتها وأدواتها ، وربما يقتضي الأمر إعلان حالة منع التجول لبضع ساعات ، من أجل القيام بفتح الشوارع بشكل مرحلي ومتدرج وفقاً لرؤية شمولية، وهنا يجب ألا يكون التدخل على طريقة الفزعات ، والعمل العشوائي والجزئي الذي يخلو من التخطيط وحسن الانجاز وشمولية التنفيذ .
أما الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية عما سبق ، فهو إشراك المجتمع المحلي في مخطط المواجهة ، حيث يجب أن يعُطي وقت محدد لأصحاب المنازل والمحلات بتنظيف مداخل بيوتهم ، وأن يتكفل كل أصحاب منزل بالرصيف الموازي لهم وما يقابلهم من الشارع والدخلة التي تخصهم ، وهنا يجب فرض غرامة ومخالفة على الذين لا يقومون بهذا الواجب الوطني الذي يخصهم .
بقي أن أتحدث عن الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية التي كانت الغائب الأكبر عن هذا الحدث ، ولم يكن لها دور يذكر على صعيد كوادرها وأعضائها ومؤيديها ، ولا على صعيد الأحياء والقرى على مستوى الوطن ، وكانت عاجزة عن توصيل ربطة «خبز» أو عبوة وقود ، أو الاسهام بعملية انقاذ، ولم يكن لديها خطة مسبقة أبرنامج عمل، سوى بعض المحاولات الإعلامية البائسة التي تخلو من الجدية وتخلو من الفعل والانجاز بحدّه الأدنى .
هذه الظروف الطارئة تحتاج هبّة وطنية شاملة، يشترك فيها كل من هو قادر على الخدمة والعمل ، ضمن تصور سهل ومبسط وميسور، وضمن مخطط قادر على توزيع الأدوار ، وهي فرصة ثمينة للقوى السياسية والاجتماعية أن تخوض غمار التنافس في تقديم الأفكار العملية ، والنزول الى الشارع وتقديم الخدمة والحصول على رضا الشارع من خلال الانجاز والعمل وليس من خلال تبادل قذائف النقد الجارح .
ظهر بعض المبادرات الفردية التي كان لها بعض الجهود في توصيل الخدمات، مثل جمع « الحرامات « وبعض المساعدات، التي تفوّقت من خلالها على القوى التقليدية، ما تستحق عليه الشكر والتحية، وينبغي تشجيع ثقافة المبادرة ونشرها في أوساط الشباب، بخاصة على صعيد المؤسسات الشبابية ، ومجالس الطلبة في الجامعات والكليات الجامعية، والأندية الرياضية والثقافية .
بقي أن نقول إننا جميعا مقصرون ، ولم نصل الى عتبة النجاح في هذا الاختبار، ما يتطلب من كل المعنيين وضع الخطط والتصورات المستقبلية القريبة للظروف القادمة ، وربما يكون التعليم بالحدث أحد أهم أساليب التعليم ، مع ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية في تلك البلدان التي تتعرض بشكل دائم للعواصف الثلجية والاعصارات الكبرى ، ثم نستطيع تحقيق النجاح في احداث مواجهة شاملة .