النووي ، الأورغواي والعاصفة الثلجية
المهندس مصطفى الواكد
19-12-2013 01:47 PM
لست من المتابعين للشأن الرياضي ، لكنني واحد من المواطنين الأردنيين الذين استطاع الإعلام حشدهم خلف فريقنا الوطني لكرة القدم ، عندما لعبنا مع فريق الأورغواي ، وكانت النتيجة مخيبة لآمالنا في الذهاب إلى البرازيل وخسارة كبيرة بفارق الأهداف ، أدت بجمهورنا إلى تفريغ شحنات من الغضب على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي ، بعضها جاء قاسيا على النشامى الذين ما ادخروا جهدا لنيل الفوز وإسعاد الجمهور وبعضها جاء مواسيا على طريقة خسرنا معركة ولم نخسر حربا ، كما بررنا دوما هزائمنا العسكرية مع اسرائيل .
أما ما جرى في الأيام القليلة الماضية من تعطل شبه تام لمناحي عديدة من حياتنا نتيجة العاصفة الثلجية غير المفاجئة والتي أعلنت كافة الجهات المعنية حالة الطوارىء القصوى لمواجهتها واستعدادها التام لذلك ! فلم تجد الجهات الرسمية سوى ( برادة وجه الشعب ) وشدة العاصفة حججا لتبرير تقصيرها ، وها هي الحكومة تبحث عن كبش فداء نتلهى بأكل لحمه وننسى كل ما لحق بنا من عذابات .
معاذ الله أن يكون أحدنا من الشامتين أو الفرحين بخسارة منتخبنا الوطني ، أو فشل حكومتنا في مواجهة العاصفة الثلجية ، فذلك ليس من شيم الأردنيين ، لكنها هزيمة وفشل كان لهما أسباب ، أهمها في مجال الرياضة القدرات الفنية للفريق المقابل وعدم الإعداد والإستعداد الحقيقي للعمل المطلوب والإكتفاء بالتغني بالنشامى ورفع الأعلام وتزيين السيارات وخدعة المواطنين وإيهامهم بإمكانية الفوز على فريق يتمتع بكفاءة غير مسبوقة وتم إعداده بطرق مدروسة بعيدا عن الفزعات والهوبريات ، وأما في مجال مواجهة العاصفة الثلجية فكان عدم الإعداد والإستعداد والإكتفاء بإعلان حالات الطواريء على شاشات التلفاز .
ما يهمني في هذه العجالة ، استخلاص العبر والدروس مما جرى ، ورب ضارة نافعة كما يقولون ، فما جرى من التفاف وطني حول هدف رياضي يشير إلى تعطش المواطنين إلى وحدة حقيقية تجمعهم على هدف وطني واحد ، تنحى فيه كافة الخلافات الفردية سياسية كانت أم اجتماعية ، وما تبين من تقصير في الإعداد الحقيقي والأخذ بالأسباب العلمية والعملية لبلوغ أي هدف نصبو إليه أو لتجنب آثار أية أزمات ، كل ذلك دفعني للتفكير بما تدعيه مجموعة من الأردنيين حاليا لتسويق فكرة المفاعل النووي وما سيعوضه من مليارات الخسائر المتراكمة على شركة الكهرباء الوطنية ، ناهيك عما يقولون عن اليورانيوم الموهوم وما سيجلبه من مليارات تغطي عجز موازنتنا وتفيض بدءا من العام 2012 ، حيث أعلن عن عائد لا يقل عن مليار دولار في ذلك العام ، وها نحن على أبواب 2014 ولم يتحقق شيء من ذلك الحلم ، بل على العكس تماما انسحبت آخر الشركات ( أريفا الفرنسية ) لاغية عقدا حصريا للتنقيب عن اليورانيوم مدته 25 سنة ، ولا تفسير لذلك سوى عدم قناعة الشركات المغادرة بصدقية الأرقام المعلنة عن كميات وتراكيز اليورانيوم عندنا وجدوى وإمكانية تعدينه .
مع فارق الأثر الشاسع بين خسارة مباراة لكرة القدم وإغلاق شوارع وانقطاع كهرباء وبين حادث نووي لا قدر الله ، تبقى أسباب الفشل واحدة لما كان وما سيكون من نتائج لمشاريع غير مدروسة ومخطط لها وفي طليعتها مشروع المفاعل الذي سيكلفنا عدة مليارات نضيفها إلى مديونيتنا ، لشراء سم الإشعاعات ومخاطر التلوث والنفايات ، ويعلم الله كم يحتاج من السنوات حتى يرى النور ، في وقت يعلن فيه وزير الطاقة عن انتاج 560 ميغاوات خلال عام 2015 فقط باستثمار عشرات الملايين من الدولارات في مشاريع الطاقة النظيفة المتجددة .
أقترح على الحكومة تبني مشروع وطني كبير لن يكلفها سوى إيقاف موازنة هيئة الطاقة الذرية والبالغة 30 مليون دينار سنويا وتوجيه ذلك المبلغ لدعم المواطنين الراغبين في تركيب الخلايا الكهروضوئية على أسطح منازلهم لتوليد الكهرباء لاستخداماتهم المنزلية وضخ الفائض في شبكات شركات توزيع الكهرباء دون مقابل ، ولتعتبر الحكومة ما ستنفقه على هكذا مشروع قرضا بدون فوائد يلتزم بتسديده كل مستفيد .