من المسؤول عن الأزمة الحكومة أم المواطن؟!
أ.د. أمل نصير
19-12-2013 02:41 AM
بحمد الله انتهت العاصفة بأقل الخسائر البشرية، وهذا بحد ذاته إنجاز لوعي المواطن، ولمؤسسات الدولة جميعا، لكن هل كانت إدارة الأزمة مثالية فعلا؟ بالتأكيد لا، فقد كانت هناك أخطاء، ونقص في الجاهزية، وتباطؤ في معالجة الاختلالات، واستثمار للمنصب وكأننا ما زلنا في القرن الماضي! ولكن أيضا هل كنا نتوقع غير ذلك؟! فقد حدث تراجع في كثير من مؤسسات الدولة، ونخر بعضها الفساد؛ مما أضعفها، وسينكشف هذا الضعف حتما في مثل هذه الظروف، ولا سيما في شركات -ولا أقول شركة الكهرباء - التي قسمت وبيعت في ليلة لا يوجد فيها ضوء، فأظلمت، وقد تظلم قلوب الأردنيين لسنين قادمة، ففي هذه الأيام يجدد المواطن الدعاء لكل من سرق ونهب، وهو يسدد فواتير الفاسدين من دفء أطفاله وشيوخه!
وللإنصاف، وليس دفاعا عن تقصير أحد أقول إنها ظروف استثنائية، ومن ثم سميت (أزمة)، وعلى الجميع أن يتكاتف في ظلها، فنقد الحكومة ومؤسساتها وحده لن يجدي، ولن يساهم في حل المشكلة، صحيح أننا في الأزمات نكشف نقاط الضعف في جاهزية مؤسساتنا، وحاجاتها، وفساد بعض شخوصها، ونكشف أيضا مدى حكمة قياداتها، وقدراتهم على إدارة مؤسساتهم؛ لكننا نعرف أيضا أن فسادا حدث أضعف كثيرا من مؤسساتنا، وقلل من جاهزيتها في مواجهة أمور أقل بكثير من إلكسا، ويحتسب لهذه الحكومة ورؤساء بعض الجامعات أنهم اتخذوا على الأقل قرار تعليق الدوام مبكرا، ففي حين كانوا ينتظرون في السنوات الماضية لحين وصول الموظفين والطلبة، ويطمئنون على وجودهم في أماكن عملهم، وبعدها يصدرون قرار التعليق، فيزيدون من حدّة الأزمة بدلا من تخفيفها.
لكن أيضا مثل هذه الأزمات تكشف عن وعي المواطن وذكائه في إدارة نفسه وبيته على الأقل، ولا أقول مكان سكنه أو بلدته، فمثلا أنا لا أفهم كيف لمواطنة وزوجها أن يتحايلا على الدفاع المدني، ليوصلهما بحجة أنها على وشك الولادة وغايتها التسوق-كما ورد على بعض المواقع- وفي أي بلد في العالم المتقدم يجرؤ مواطن على فعل هذا في ظل سيادة القانون؟! وأي خلق يمكن أن يوصل مثل هذين إلى حالة التردي تلك، وانهزام منظومة القيم، وأين كانا قبل الأزمة حتى يعجز كلاهما عن تأمين حاجات بيته؟! ففي مثل هذه الظروف يتوقع ممن يقدر على مساعدة أن يسارع لتقديمها لا أن يعطل عمل أجهزة الدولة، ومثلهما الذين خرجوا من بيوتهم بدون سبب قاهر، وعلقوا في الثلج، وأعاقوا الأجهزة عن القيام بعملها رغم كل التحذيرات ؟! وكيف لمثل هؤلاء جميعا أن يديروا أزمة لو أُحتيج إليهم؟!
وكيف لرجل يأخذ قرارات متأخرة وغير حكيمة البتة بترحيل أسرته بحجج واهية وغير منطقية بعيدا عن مكان عمله، ويعرف عن شدة العاصفة، ويبقى يماطل في العودة إلى أن أُغلقت الطرق، فحبسه الثلج، وبدلا من أن يكون إلى جانب أسرته في هكذا ظروف يصبح هما وعبئا عليها؟!
وكيف يمكن لشاب في العشرينات أيضا أن يخرج في ليلة العاصفة بملابس تناسب أجواء تموز وآب بحجة أنه ذاهب للتدريب في الصالة الرياضية، وإذا كان حماس الشباب قد غلبه ألا يفكر في نقل عدوى المرض إلى كبير سن في أسرته أو طفل أو مريض؟! وهل سيحمّل المسوؤلية للحكومة إذا احتاج إلى مساعدة؟!
حدثتني صديقة في وقت الأزمة عن ابن لها في العشرينات أيضا، وخريج جامعة أنه تذمّر، وصرخ وعربد؛ لأنها أيقظته لأمر طارئ ألا وهو: تحويل أسطوانة الغاز للإسطوانة المجاورة لها في مخزن العمارة وبمساعدة حارسها؛ إذ انتهت فجأة وهي تجهز الطعام الذي يَعرف تماما أنها تعدّه له وحده؛ ليجده ساخنا عندما يصحو، وهي تفعل ذلك مسابقة الزمن قبل خروجها لدوام طويل أثقل كاهلها، وأحنى ظهرها هو وهمّ هذا الابن!! فكيف لمثل هذا أيضا أن يتصرف لو انقطع الغاز من بيته أو منطقته، أو لو كانت الأسرة لا تملك ثمن إسطوانة احتياطية مثل كثير من الأسر الأردنية التي عاشت أيام الأزمة حول مدفئة واحدة، وكيف سيدير الأزمة؟! تسأل صديقتي.
من حق الناس أن تفرح بالثلج، وتتزلج عليه، أو تخرج للعب به وعندها متسع في باحات البيوت وحولها، لكن ليس من حقها إعاقة عمل الأجهزة المختصة بمساعدة الناس، وفتح الطرق، أو تحميلها أعباء إضافية تتنتج عن إهمالنا وعنادنا، أليست إدارة الأزمات أيضا تحتاج إلى تعاضد الجميع؟
لكن أيضا في مقابل هذا ألا يوجد نماذج أخرى، فموظفو شركة الكهرباء المعلقون في الأبراج، وكافة أجهزة الجيش والأمن الذين نعتز بهما، وكل أولئك الذين قدموا المساعدة لغيرهم ووطنهم يستحقون منا الشكر، والدعاء لهم ولأسرهم التي غابوا عنها لرعاية غيرهم.
ومثلهم بعض الأسر التي أعلنت على المواقع أنها ترحب بمن حجزهم الثلج، وتستقبلهم في بيتها، وأختم بشاب من منطقة العالوك وضع إعلانا أنه على استعداد لشحن الهاتف والحاسوب لمن انقطعت عنده الكهرباء كونه يملك ماتورا خاصا به.
إن مَن يتابع سلوك الناس في الأزمة يتنبه إلى غياب فكرة التعاون في الأزمات، وتشكيل فرق من الشباب في كل حي تكون جاهزة للمساعدة، فلا يعقل أن ننتظر من أي حكومة وليس من حكومة الإفقار فقط إنقاذنا ومساعدتنا في كل صغيرة وكبيرة، فهناك كثير من مواطن الخلل علينا أن نعترف بها، ونبدأ بتغييرها، ونعاون أجهزة الدولة بدلا من الاكتفاء باللعب بالثلج، والتقاط الصور، وجلد الحكومة، التي عليها هي الأخرى أن تعترف بضعف كثير من مؤسساتها وتراجعها، وتعمل على تصويب أوضاعها، وتتحول عن سياسة الجباية من مواطنيين بلغ بهم الفقر والقهر مبلغا خطيرا، إلى حكومة مراجعة وإصلاح حقيقة لا كلاما.