طفل متجمد في صندوق .. وعالم يحتفل بـ «حقوق الإنسان»
آيلين كوجامان
18-12-2013 04:53 PM
يحتفل العالم بيوم حقوق الإنسان كل عام في العاشر من ديسمبر (كانون الأول). وقد احتفل البعض بهذا اليوم: احتفل به الذين يتمتعون بحقوق الإنسان، واحتفل به أولئك القادرون على القتال من أجل حقوقهم، كما احتفل به الذين يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم عاليا في وجه الحكومات للمطالبة بحقوقهم.
وخلال هذا اليوم، عُقدت الكثير من المؤتمرات في شتى أنحاء العالم، حيث جرى خلالها الثناء بشدة على مظاهر الحضارة التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، وتحدث المشاركون في تلك المؤتمرات عن «مدى ما وصلنا إليه من تقدم حضاري».
غير أننا نحتاج إلى أن نطرح سؤالا على «الأغلبية الصامتة»، ولا أعني بتلك الأغلبية «الحضارات الغربية»، والسؤال هو: «ما مدى وصولنا إلى التقدم الحضاري؟»، فأولئك الذين نسوا بالفعل ما هي حقوقهم والذين يقاتلون من أجل البقاء على قيد الحياة هم الأغلبية المنسية التي تسعى جاهدة للحصول فقط على الحق في الحياة. فأين هي إذن «حقوق الإنسان»؟
تأملوا هذا المشهد: طفل سوري تجمد حتى الموت، ألبسوه كنزة ممزقة ووضعوا قفازا على يديه النحيلتين، لكن قدميه كانتا عاريتين. ثم بعد ذلك وضعوا الجسد الهامد في صندوق بال.
عندما يضرب شتاء قارس البرودة منطقة الشرق الأوسط، فلا يمكن لتلك الملابس البالية التي تغطي الجسد النحيل لذلك الطفل أو حتى جرعات الحليب القليلة التي يتناولها أن تحميه من ذلك الشتاء، لا سيما إذا كان ذلك الطفل ليس له منزل ولا يجد حتى مكانا يؤويه من ذلك البرد القارس. وانتهى الأمر بذلك الجسد الهامد، الذي لم يستطع تحمل تلك البرودة، إلى صندوق بال تحمله أخته بين يديها الباردتين.
وبينما تتساقط الثلوج على الأبنية التي دمرتها الحرب في سوريا في وقت يحاول فيه الناس مصارعة الطقس البارد، أوقفت أميركا وأوروبا شحنات السلاح التي تمد بها المعارضة، محتجة بأن تلك الأسلحة تصل إلى أيدي المتشددين. وتستقر الآن الجبهة الإسلامية، التي تنضوي تحت لوائها ست مجموعات متشددة، على الحدود السورية مع تركيا.
وقد تخطت عمليات القتل والذبح التي تجري في سوريا حاجز الـ1000 يوم. وخلال تلك الفترة، تعرضت 7500 امرأة للاعتداء، وجرى تعذيب أطفال صغار، كما حُرم ثلاثة ملايين طفل سوري من الحق في التعليم.
وفي خضم كل ذلك الذي يحدث في سوريا، تحمل لنا الأخبار نبأ إعدام شخصين: الأول من بنغلاديش والثاني من كوريا الشمالية. وقد نال حكم الإعدام، الذي جرى إصداره بالمخالفة للقانون الدولي، ضد نائب الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، إدانة دولية واسعة، وهو ما أدى إلى تأجيل السلطات لتنفيذ الإعدام على مضض.
وفي اليوم التالي، عُقدت جلسة دفاع شكلية إلى أبعد الحدود، ثم جرى تنفيذ حكم الإعدام في اليوم نفسه. ويبدو أن الاحتجاج الدولي قد أثمر، لكنه لم يكن بالشكل الكافي. أما في كوريا الشمالية فقد حكم رأس الدولة هناك كيم جونغ أون على زوج عمته بالإعدام، في ما يبدو أنها بداية لما يشبه فترة تطهير على «الطريقة الستالينية». فما هي الجرائم التي ارتكبها أولئك الذين ليس لهم صوت، وحُرموا من حقوق كثيرة في بلاد يسيطر عليها الصمت، حتى يستحقوا الموت؟
لقد فقد 600 شخص حياتهم في القتال الدائر في جمهورية أفريقيا الوسطى خلال الأسبوع الماضي، بينما شُرد 160 ألف آخرون، كما يصارع 38 ألف شخص، يمكثون في العراء في مطار بانغي الدولي من دون طعام أو مأوى أو حتى مياه، من أجل البقاء. ويحتاج 460 ألف شخص آخرون لمساعدات طبية عاجلة، غير أن الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد يجعل ذلك الأمر من قبيل المستحيل.
ودعونا نتحول الآن لإلقاء نظرة على أولئك الذين فروا من بلادهم. فقد غرق قاربان أثناء محاولة الوصول للسواحل التركية الأسبوع الماضي، حيث جرى حشر اللاجئين البائسين، الذين أعطوا كل ما يملكون لعصابات الاتجار بالبشر، في تلك القوارب العتيقة البالية التي غرقت في عرض البحر خلال محاولتها الوصول إلى البلاد، التي يمكن لأولئك الذين استقلوها أن يبحثوا فيها عن أرزاقهم.
في شتى أنحاء العالم يوجد الملايين الذين لا يستطيعون تلبية حاجاتهم الأساسية من الطعام والمأوى، كما لا يتوافر لما يقرب من 783 مليون شخص المياه النظيفة، بينما يعيش 895 مليونا آخرون تحت خط الجوع. وهناك 146 مليون طفل في العالم، منهم 16 مليونا في البلدان المتقدمة، يعانون من سوء التغذية. ثلاثة في المائة فقط من مياه الشرب في العالم نظيفة. ويعاني الأشخاص الذي لا يجدون المأوى ظروفا معيشية في غاية الصعوبة.
وتأتي الهند في المرتبة الأولى بين الدول الفقيرة، حيث يعيش 78 مليون شخص من سكانها في فقر مدقع. ودعونا لا ننسى حقيقة أنه يوجد 45 مليون لاجئ في العالم جرى إبعادهم بالقوة من بيوتهم وبلدانهم.
وما زال معتقل غوانتانامو يعمل. ورغم أن العالم تغير وتغيرت معه الحدود بين الدول وتغيرت أيضا المبادئ، ما زال المعتقلون قابعين في غياهب ذلك السجن بطريقة غير شرعية وبغير محاكمة وسط صمت مريب. وتبدو محاولات الإضراب عن الطعام التي تحدث بين الحين والآخر بعدا مرعبا آخر لصورة ذلك المعتقل.
فلندع أولئك الذين يحتفلون بيوم حقوق الإنسان العالمي في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) يحتفلون. غير أنني شخصيا أرى في تلك الصورة العالمية الشيء القليل الذي يستوجب الاحتفال. ففي الوقت الذي يكتفي فيه العالم بالجلوس والمراقبة، نرى المضطهدين المحرومين من أبسط الحقوق، حتى الحق في الحياة، يصارعون الجوع واليأس والظلم. إنهم يفتقرون إلى القوة التي تمكنهم من وضع نهاية للظلم والحروب والفقر.
لكن تبقى حقيقة مهمة ينبغي أن يضعها الجميع في الحسبان وهي أن مسؤولية هؤلاء الأشخاص البائسين، الذين لا يستطيعون الدفاع عن حقوقهم، تقع على أولئك الذين يتمتعون بالحق في المساعدة الإنسانية. فإطلاق صرخة قوية في وجه الظلم والتعرض للظلم ورفع الأصوات في شتى أرجاء العالم للاحتجاج بكل الوسائل من المؤكد أنه سيؤدي إلى الحد من الجرائم التي يرتكبها أولئك الأشرار. يجب علينا أن نتكلم جميعا بصوت واحد، ففي الاتحاد قوة.
هذا الاتحاد مطلوب على وجه الخصوص من أجل سوريا التي تشهد حاليا أفظع مأساة على الإطلاق. بالطبع، تمثل الجماعات المتشددة مشكلة كبيرة، ومما لا شك فيه أن البلاد سوف تغرق في مستنقع التطرف ما دامت حالة عدم الاستقرار لا تزال باقية. غير أن صلب المشكلة السورية يتمثل في المأساة الإنسانية التي خلقتها القوات الموالية للأسد الذي يمنع المساعدات الإنسانية من الوصول للداخل السوري. وبالتالي، إذا كنا نرغب في حماية الشعب السوري وإعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد، وكذلك القضاء الناجع على الجماعات المتشددة، فإنه ينبغي إعطاء الأهمية الكبرى لمسألة تنحي الأسد عن السلطة ومغادرته البلاد في أمان.
وهذا هو السبب وراء الدعوة، التي كررتها كثيرا على صفحات الجريدة، والتي ناشدت من خلالها جميع الدول الإسلامية إرسال قوات مشتركة تدخل سوريا من جميع الجهات، والغرض من ذلك هو مجرد استعراض لقوة الردع من دون إطلاق رصاصة واحدة، وأعتقد أن ذلك سيفيد في إرغام كل من الأسد والمتشددين على الانسحاب من سوريا.
ينبغي على الدول الإسلامية أن تظهر نوعا من الاتحاد في وجه الشر قبل أن يلقى المزيد من الأطفال البائسين حتفهم.
(الشرق الأوسط)