عن اليكسا والكهرباء وأشياء أخرى
بلال حسن التل
18-12-2013 01:30 PM
ثلاث صور رسمتها العاصفة الثلجية الأخيرة في أذهان أبناء جيلي من الأردنيين؛ أولها: صورة الماضي القريب، الذي لم نكن نحسب فيه حسابا لما هو اشد من عاصفة الكسا، رغم قلة إمكانياتنا يوم ذاك، لكننا كنا نمتلك إرادة قوية لدولة متماسكة، تعمل إدارتها كمنظومة منضبطة متكاملة قادرة على العقاب والثواب.
لذلك كان رجالها يعملون أكثر مما يثرثرون أمام الكاميرات. بل لعلهم كانوا أبعد ما يكونون عن الكاميرات, ولأنّ كل واحد منهم كان يؤمن بأنة يؤدي واجبه، وكان يترك لأعماله تتحدث عنه، لذلك حفر أولئك الرجال صورهم وأسماءهم في قلوب الأردنيين وذاكرتهم.
وفي ظل هذا النوع من الرجال والمسؤولين، كان الجميع يتسابقون للوصول إلى مكاتبهم رغم هطول المطر وتساقط الثلج، فقد كان الإحساس بالمسؤولية مرتفعا عند الموظف الأردني، لأنه كان يستمده من رؤسائه. وكان من يتخلف عن الوصول إلى مكتبه يشعر بالخجل، لان زملاءه ذكورا وإناثًا سبقوه. لذلك لم تكن حركة المطار تتوقف، ولم تكن الكهرباء تنقطع إلا ما ندر، ولأوقات قصيرة.
ومن الكهرباء أحب ان أدخل إلى الصورة الثانية، وهي صورة الحاضر الذي يفترض انه أفضل من الماضي, لأنه يجب ان يكون تطوير له، لكن ما حدث خلال العاصفة الثلجية الأخيرة رسم صورة قاتمة لهذا الحاضر، الذي جعل الكثيرين من الأردنيين يترحمون على ماضيهم، الذي كانوا يفتخرون خلاله بان نسبة الإضاءة تكاد تصل إلى مئة بالمائة من مساحة بلدهم، ليحل الظلام بدلا من ذلك على معظم أنحاء الوطن، خلال العاصفة الثلجية الأخيرة.
فهل يُعقل ان تحرم أجزاء كبيرة من عاصمة حديثة ومتطورة من الكهرباء لمدة طويلة، لمجرد تعرضها لعاصفة ثلجية ليست هي الأشد؟ وهل يُعقل ان تصم شركة الكهرباء آذانها عن كل نداءات الاستغاثة التي أرسلت إليها؟ هل غاب عن خاطر المسؤولين في قطاع الكهرباء حجم اعتماد الناس على الكهرباء، في تفاصيل حياتهم اليومية؟ هل نسي أصحاب الحل والعقد في شركة الكهرباء أن في بيوتنا مرضى يحتاجون إلى أجهزة تنفس تعمل بالكهرباء. وان في بيوتنا مرضى كِلىً يحتاجون إلى الكهرباء؟ وهل نسى المسؤولون في شركة الكهرباء ان غالبية الأردنيين يستخدمون الكهرباء للتدفئة، سواء كان ذلك للمدافئ الكهربائية أو التدفئة المركزية؟
هل غاب عن بال المسؤولين في شركة الكهرباء أن عمان صارت مدينة أبراج ومبانٍ عالية، وأن المصاعد الكهربائية ضرورة من ضرورات الحياة اليومية للمواطنين، وأن في هذه المباني مرضى قلب، وأصحاب إعاقات، ومسنون لا يستطيعون صعود عشرات ان لم يكن مئات الدرجات؟ هل غاب عن المسؤولين في شركة الكهرباء أن جلّ الأردنيين يخزنون احتياجاتهم من الغذاء في برادات تعمل على الكهرباء، وأن قطع الكهرباء لساعات طويلة زاد بعضها عن24 ساعة، يتلف موجودات هذه البرادات، مما يلحق خسائر كبيرة بأصحابها، وجلهم من الموظفين وأصحاب الدخول المحدودة؟
هل غاب عن ذهن المسؤولين في شركة الكهرباء أن قطاعا واسعا من الأردنيين يديرون أعمالهم وصفقاتهم بواسطة الانترنت، وأن قطع الكهرباء عنهم يسبب لهم إرباكا وخسائر مالية كبرى؟ وهل غاب عن هؤلاء المسؤولين أن الهاتف الجوال هو قناة الربط بين الناس، وأن قطع الكهرباء عنهم يعني قطعهم عن بعض وعن العالم؟ وأن شركة الكهرباء بتراخيها عن إيصال التيار الكهربائي، حولت أحياء كثيرة من عمان إلى معتقلات واسعة مقطوعة عن محيطها؟.
لقد حدث ذلك كله خلال العاصفة الثلجية الأخيرة، ومعه أصمَّت شركة الكهرباء آذانها عن كل نداءات الاستغاثة، وعندما حاولت أن تبرر تقصيرها كان عذرها أقبح من ذنبها، فعندما تذرعت شركة الكهرباء بزيادة الأحمال على شبكاتها، تناست أن الوزارات ومؤسسات الدولة والبنوك والشركات، وكل مؤسسات العمل في القطاعات، العام، والخاص، والأهلي كانت في حالة عطلة؛ أي انها لم تكن تستخدم الطاقة الكهربائية. مما يعني أن ذريعة زيادة الحمولة ذريعة غير مقبولة. أو مبالغ فيها.
غير ذلك، ألا تعلم شركة الكهرباء أن عدد سكان الأردن وعمان بالتحديد زاد وزاد استخدامهم للتكنولوجيا الحديثة، وخاصة استخدامهم للأجهزة الكهربائية؟ وأنَّ ذلك يعني أنَّ على قطاع الكهرباء أن يطور نفسه، ليستطيع تقديم الخدمات للمواطنين الذين تقصم فواتير الكهرباء ظهورهم نهاية كل شهر؟ هل فات شركة الكهرباء ذلك كله؟ ثم إلى متى ستظل شركة الكهرباء عالة في فتح الطرق أمام ورشها على أمانة عمان والبلديات؟ أما آن لهذه الشركة التي تربح الملايين أن تمتلك جرافاتها وكاسحاتها للثلوج لتتمكن من مواصلة تقديم الخدمة لمشتركيها؟.
أسئلة كثيرة يثيرها أداء شركة الكهرباء أثناء العاصفة الثلجية، وأهمها الأسئلة المتعلقة بإدارة هذه الشركة وضرورة محاسبتها، بل وتجديدها، فلم تعد الكهرباء خدمة ثانوية في حياة المواطن. بل لعلها لم تكن كذلك في يوم من الأيام. فهل يجوز ان تدار بمثل هذا الاستهتار واللامبالاة؟ سؤال يطرحه المواطن الأردني الذي صار يتحسر على تراجع الخدمات في جلّ القطاعات التي كان يتغنى بها في غابر أيامه، خاصة بعد أن اكتشف أن التراجع في الأداء ليس محصورا في خدمة الكهرباء؛ بل امتد ليشمل معظم مكونات البنية التحتية في بلدنا، والتي كانت من أهم الانجازات التي كنا نفتخر بها.
وبعد أن اكتشف أنَّ حديث المسؤولين عن خطط مواجهة الطوارئ ليست أكثر من حبر على ورق، ومن تصريحات زائفة أمام الكاميرات، أثارت حسرة المواطن وهو يرى الحقائق على الأرض ليرسم عبر حسرته هذه الصورة الثالثة، وهي صورة مستقبلنا إذا ظل بعض المسؤولين فيه يديرون قطاعاتهم بنفس أسلوب إداراتهم لأزمة الكسا.. وأداء شركة الكهرباء نموذج صارخ لهذا الأسلوب؛ فماذا نفعل إذا جاءتنا ألكسندرا؟ (الرأي)