سيكولوجية الجماهير والفيس بوك .. سيف الرواشدة
18-12-2013 05:56 AM
سيكولوجية الجماهير ، او علم نفس الجماهير مصطلح يعنى بدراسة العقل الجماعي لمجموعة من الناس ، مهما اختلفت تسمياتها من شعب لجمهور ، لزمرة او طائفة ، او حتى طبقة اجتماعية ، كانت متجانسة ، ام كانت تشكل كل معاني الاختلاف من العرق الى الدين او حتى التربية ، و المهنة ، واول من درس هذا العلم هم الفرنسيون واكثرهم تأثيرا كان (غوستاف لوبون) ، نتاجا لثورتهم و التقلابات التي حصلت بها من حكم الجمهوريين الى نابليون الى اعادة الحكم الملكي وما جاء معها من تقلبات دينية وثقافية ،وقد كانت الجماهير هي المحرك الاساس لهذه التغيرات ، وهي التي قامت ايضا بالتضحيات العظمى بالحروب دفاعا عن الثورة و هي من قامت بالاعدامات الجماعية وعمليات القتل التعسفية ،في الثورة ايضا فتارة تكون نبيلة كل النبل وتارة تكون مجرمة.
منذ عهد قريب كانت السلطة ، ومقادير الامور في يد قلة ان لم تكن في يد شخص واحد ، ودعني اخرج عن المألوف هنا قليلا اذا قلت ان اعظم انجازات البشرية التي تتغنى بها كل الامم حققت في عهد الدكتاتوريات ، لما كان الرأي العام توجهه الدولة لا غير ، ولما كان الناس مأسورين فقط بتبجيل هؤلاء القادة ، وافكارهم ، وعقائدهم ، ولما كان الناس يشعرون بالنقص اتجاه هؤلاء القادة ، كانوا يسلمون لهم من دون نقاش ، وكانت حماسة الجماهير وبساطتها ، واندفعها ، حجر الزاوية في التغيرات الكبرى على سطح الكوكب ، فمن ميزات الجماهير، انحطاط مستواها العقلي بالمقارنة بافرادها منعزلين، وقد قام العالم النفسي ( دافي) بتجربة بسيطة عندما جمع مجموعة من المثقفين ، والمهندسين والكتباب و الفلاسفة ،وقام بعرض للخدع امامهم بصرية وفنية ، فاقتنعوا جميعا بقوى العرض اللانسانية ، ومن ثم شرح الخدع لهم ، وقد كان اكيدا انه لو اجرى الخدع امام كل فرد على حدا ، لغلب العقل والتفكير المنطقي العاطفة و كانت النتيجة عدم التصديق ،فالمجموعات تعطينا ثقة خاطئة وقوة بدائية همجية ، فكم منا من قام بافعال لا يجرؤ على التفكير بها حتى يحاط بعدد من الناس ،فتصبح هذه الافعال يسيرة ومنطقية ومبررة . والجماهير ساذجة ، وتحكمها العاطفة الى ابعد الحدود وهي مندفعة وليست ثابتة ، فكم من خطيب مفوه كان قادرا على قلب مئات من الناس ببعض الكلمات ، وهاهي مصر مازلت تضرب المثال القريب على الجماهير التي صوتت للرئيس مرسي ، وخرجت تموت في الميادين ضد حكم العكسر تعيدهم من جديد بنفس الحماس بعد اقل من سنة .
والان دعنا نعود الى جزء الثاني من عنوان المقالة ، وهو ال (Facebook) تقريبا منذ 100 عام انتشرت الانظمة الديمقراطية واصبحت تمتلك قوة العقائد الدينية احيانا ، حتى اصبحت خارج حدود النقاش و النقد ، وتجد الجميع يتكلم عنها بخشوع ، واحترام ، وامسى للجماهير نصيب الاسد في توجيه الامور بشكل او بآخر فالسياسيون اليوم يحاولون استرضائها ، ومراكز الدراسات لا تنفك تقوم بدراسات الرضى الشعبي عن الحكومات بعد 100 يوم من تشكيلها ، ومازال النواب يسترضون الناس بخطبهم بطلبات لو فكرت بها قليلا ، لوجدتها اقرب الى الخيال ، لكنها ما يطلب الجمهور سماعه ، ومنذ عام 2004 انتشرت ثقافة جديدة وهي الجماهير الالكترونية ، فأصبح الرأي العام حرا مما كان يساهم في تشكيليه بالماضي من الصحف الرسمية ، و الدولة ، ومقالات الكتاب، والمفكرين المشاهير ، وقد تغيرت هوية الصحافة من المنبر الحر الى وكالة فقط لنشر الانباء حتى المتضاربة منها ،وقد اعفت نفسها من دراسة المعلومة وصناعية الرأي واكتفت بنقلها ، وهنا تكون وسائل التواصل الاجتماعي قد شكلت جماهير هائلة غير متناسقة تنتشر بها الجمل المنسوبة لعباقرة الماضي التي تريح العقل من التفكير وتوجهه نحو قوالب جاهزة تشكل توجهه العام وامست عاطفية الجمهور وتهوره وسذاجته اسهل حدوثا فيكيفك فقط مشاركة صورة او جملة حتى تنتشر كالنار في الهشيم ، ويندفع الجميع خلفها من دون تفكير و لا تمحيص ، وامست حتى الدولة موجهة بتحرك هذه الجماهير وتتأثر بها ، فخذ مثلا قضية الطالبة نور هنا في الاردن فالامر لم يتعدى نشر صورة لفتاة مقتولة مرمية على الارض حتى استشاطت الجماهير غضبا ، ونطلقات الجماهير الالكترونية في نزقها وعاطفتها الساذجة ، وانتهت الزوبعة بتغير التوقيت الشتوي من دون حتى السؤال عن القاتل او حتى الربط المنطقي بين المطلب و الحادث او حتى محاسبة المسؤول مثل مدير الامن او وزير الداخلية ، فبكل بساطة هذه هي الجماهير تتحرك بغوغاء ، من دون اي توجه عقلي سليم .
مربط الفرس هنا اذا كانت الجماهير الالكترونية قادرة على التأثير على الحكومات بهذه القوة ، وكان التحكم بها بسيط الى درجة نشر صورة ، او جمل معلبة جاهزة ، فنحن اذا امام خطر عظيم ، فالان الدولة بكل اركانها ستكون تحت نير هذه الجماهير وتقلباتها ، والرأي العام هو الاخر صار فريسة لبوستات الجماهير وتلكم الكلمات التي تحتاج الى مئات الصفحات لتفسيرها مثل الحرية و العادالة التي تهيج الجميع وتعزف على كل الاوتار ، فمستقبلنا اليوم مرهون بوعي هذه الجماهير و قدرتها على تحكيم العقل في هذا الجنون الجماعي ، وواجب الدولة هنا السيطرة على هذه الجمعات واختراع اليات توجيهها ، وحتى متكلموا البارحة اليوم يحتاجون الى عباءة جديدة ومنبر اخر ليطلوا على الجمهور من زاوية مؤثرة اخرى .
وفي النهاية السر هنا ليس هذا التجمع للجماهير الذي لم يرى التاريخ مثلة ، بل في العقائد التي كانت مسيطرة يوما الدينية منها او السياسية التي كانت توجد الثوابت في تحركات الجماهير وما تقبله او ترفضه ، اليوم هذه العقائد ضعيفة جدا كالصرح المنخور تحتاج الى استبدال ، ولما كانت الجماهير بسذاجة عقلها الجماعي تستقبل اي جديد بل تكون دائما بانتظاره ، فالمرعب هو بماذا سنستبدل مؤسسات البارحة وعقائده ونحن اليوم لا نواجه جماهير البارحة التي كان الزمان و المكان بعطي متنوري المجتمع فرصة للتحرك ، فاليوم فالموضوع كله اصبح يحسب فقط ببعض ساعات كافية لصورة او جملة من الانتشار بين الصفحات الالكترونية
سيف حسين الرواشدة