"ما حصل يعيد السؤال الأساس عن سبب خصخصة شركة الكهرباء، ومدى نجاعة الفكرة"..
بكل المقاييس، فشلنا في مواجهة عاصفة ثلجية استمرت ثلاثة أيام. ونحمد الله أن العاصفة لم تمتد أكثر، وإلا لكانت بنيتنا التحتية تعرت تماما، وانكشف زيف التعهدات الحكومية التي كان تقال عبر وسائل الإعلام المختلفة عن "أهبة الاستعداد" لمواجهة الشتاء، والعاصفة الثلجية.
جاءت العاصفة، فماذا خلفت؟! الشوارع أُغلقت لأيام، والكهرباء انقطعت عن أحياء كاملة لأيام أيضا، وربما ما تزال مقطوعة عن أحياء أخرى. والبنية التحتية تعرّت، وظهر عجزنا عن مواجهة "ثلجة" لا أكثر!
تحميل كل جهة المسؤولية لجهة أخرى لا يفيد. وربما يلزم الأمر من الحكومة، بوصفها صاحبة الولاية العامة على كل مناحي الحياة، أن تعلن صراحة أين كان الخلل، ومن يتحمل المسؤولية، وأين الكلام الذي كان يقال عن "خلية أزمات"، وهل يوجد بالفعل مثل هذا الأمر. وان كان يوجد، فأين كان التقصير؟ ولماذا حصل؟
شركات الكهرباء تقول إن الطرق كانت مغلقة، ولم يكن بالإمكان الوصول إلى الأعطال! وتدعي أن فتح الطرق مسؤولية الحكومة، بأجهزتها المختلفة.
والحكومة تقول إن الشركات لم تكن ترد على اتصالاتها. والبلديات تقول إن حجم الثلوج التي تساقطت تفوق إمكاناتها.
الجميع يجد تبريرا، ويبدو أننا في آخر الأمر سنقول "راحت على اللي راحت عليه"، وأن "الحق على الطليان"، ونستمر في سيناريو تدوير الأزمة من دون أن نجد من يقول لنا أين مكمن الخلل.
الحكومة كانت تعرف أن كانون الأول هو شهر شتاء، إلا إن كانت تعتقد غير ذلك، وقديما تحدثوا عن "برد الكوانين". وبالتالي، لم يكن الأمر مفاجئا، ولم تأت "الثلجة" في أيار أو نيسان مثلا. والأرصاد الجوية -رغم ما يدور من تشكيك بدقة نشراتها- أعلنت عن قدوم منخفض جوي قبل يومين أو ثلاثة من قدومه، وبالتالي لم يكن الامر مفاجئا، فلماذا لم يتم اتخاذ الاستعدادات؟ ولماذا بقيت شوارع كثيرة لأيام مغلقة، ولم تزر "جرافات" أي جهة كانت أحياء كثيرة في عمان أو في محافظات أخرى، وبقي الاعتماد على المجهود الفردي للمواطن وما تجود به قريحته من حلول، وهمة مقاولين وقطاع خاص؟
لا نريد التجني على أحد، ولسنا من هواة جلد الذات باستمرار، بمبرر ومن دونه. ولكن في هذا المقام علينا أن نجلد ذاتنا، وأن نضع الإصبع على مكمن المشكلة والتقصير للمحاسبة والمساءلة، خاصة أن الشتاء في بدايته. وربما تكون المملكة على موعد مع عواصف ثلجية أخرى أشد من الراحلة التي زارتنا، وخلفت وراءها ما خلفت من جوانب تقصير وتبادل اتهامات.
السؤال: لماذا لا تتوحد جهود كل الجهات التي تعمل في الظروف الجوية في بوتقة واحدة؟ لماذا لا يوجد مركز سيطرة واحد، يوزع المهام والمسؤولية على الجميع؟ وقتها سيتسنى تقليل الجهود والخروج بإنجاز أفضل.
بحق، فإن شركات الكهرباء كانت صاحبة الحظ الأوفر من شكاوى المواطنين، تليها شكاوى الناس من التأخر في فتح الطرق، وإزالة مخلفات أشجار أطاحت بها العاصفة الثلجية وتُركت على قارعة الطريق.
ما حصل يعيد السؤال الأساس عن سبب خصخصة شركة الكهرباء، ومدى نجاعة الفكرة. فإن كانت الخصخصة ستأتي بمستوى خدمات أدنى من الذي كان يقدم، فإننا نكون بذلك خسرنا خدمات أفضل، وفضلنا خدمات أقل. وهنا يأتي سؤال المليون دولار: لصالح من جرت الخصخصة؟ ومن المسؤول؟
القصة أكبر من "ثلجة" جاءت وذهبت. وعلينا أن نسأل: ماذا لو استمرت العاصفة أسبوعا؟ ماذا كان يمكن أن يحصل للناس؟ وكم ليلة ستدوم انقطاعات الكهرباء مثلا؟ ومتى سيتم إزالة الثلوج من الشوارع؟! هل سنحتاج شهرا للخروج من الأزمة، أم سنبقى، كما الحال دوما، نبحث عن كبش فداء من دون أن نقول إن الجهة الفلانية أخطأت، والجهة الأخرى لم تقم بمهامها بالشكل الأمثل، أم أن "الحق على الطليان"؟!
(الغد)