عُمان تقربنا أكثر من الإتحاد الخليجي
عادل حواتمة
17-12-2013 03:53 AM
بين التقليل من شأنها، واعتبارها عقبة في طريق الاتحاد تباينت ردود الفعل الإعلامي على تصريحات الوزير العُماني مؤخراً؛ والتي عبّرت عن معارضة عُمان لتشكيل صيغ سياسية وأمنية واقتصادية جديدة للمنظومة الخليجية بانتقالها من التعاون نحو الاتحاد بعد مضي 32 عاماً على إنشاء مجلس التعاون الخليجي ، والتي كانت عُمان من أكثر الدول الخليجية بتلك الفترة حماساً لتشكيل أي نوع من التعاون أو الاتحاد كردة فعل على مجموعة أحداث إقليمية دفعت باتجاه تشكيله ، منها الغزو السوفيتي لأفغانستان وإمكانية التأثير على ملاحة مضيق هرمز، وقيام الثورة الإيرانية، وحادثة احتلال الحرم المكي في السعودية على يد جهيمان العتيبي عام 1979.
نحن كأردنيين معنيين بإقامة أي أشكال وحدوية عربية و هذا ما ألفناه وآمنا به انطلاقاً من مبادئ الثورة العربية الكبرى ومروراً بكل المشاريع الوحدوية منتصف القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر. لذلك يتطلب الموقف ضرورة الإحاطة بجملة مستجدات الظروف الراهنة والمستقبلية وامتلاك القدرة على الاستفادة منها فيما يخص انضمام الأردن للاتحاد الخليجي. ولتحقيق ذلك ينبغي الإجابة على التساؤلات التالية: هل تعبّرالتصريحات العُمانية عن موقف ومبدأ ثابتين، أم أنها محاولات القصد منها تخفيف حدة التخوف الخليجي بعد الاتفاق النووي الإيراني – الغربي والتي كانت عُمان جزءًا من مارثون المحادثات ، و" فرملة " إصدار قرارات تتعلق بمشروع الاتحاد الخليجي أو ترحيله إلى قمم لاحقة يقوم الوقت بلعب دوره بتمييع حماسة القرار ؟ وإلى أي مدى يعتبر ذلك عائقاً في وجه قيام الاتحاد ؟ وما تداعيات كل ذلك على موقف الأردن التفاوضي لدخول مظلة الاتحاد مستقبلاً؟.
لا شك أن تهيئة الأجواء نحو اتخاذ مواقف حازمة وجدية من قبل دول الخليج في قمة الكويت الرابعة والثلاثين، قد أخذت وتيرة مرتفعة بعد 24 نوفمبر" الاتفاق النووي الإيراني – الغربي"، بالرغم من زيارات "ظريفي" إلى أغلب الدول الخليجية بغية ترطيب الأجواء. وطمأنتها بحسن النوايا الإيرانية. وتأكيد الغرب على أمن الخليج، وموقف عُمان الرافض لقيام اتحاد خليجي. الإ أن المؤشرات تؤكد حتمية القرار المنوي اتخاذه ولو بمعزل عن عُمان في المستقبل القريب، هذا ما أكده تركي الفيصل مدير المخابرات السعودية السابق في منتدى حوار المنامة، لتضيف شعوراً بوحدة الأخطار المحدقة بالخليج وتتسق مع ما صرّح به الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، بأن أوضاعاً وظروفاً بالغة الحساسية والدقة تحيط بقمة الكويت. وما خرجت به توصيات القمة، من ترحيب حذر للإتفاق النووي على أن يصاحب ذلك جدية على الأرض، ومسألة غاية في الإهمية والمتعلقة بالاتحاد بقيت حيّة وتنتظر مزيداً من التشاور، لتفادي حالة التفسخ المتوقعة.
تعمقّت العلاقات الإيرانية ــ العمانية بشكل كبير كنتاج لتداعيات قضية " تمرد ظفار " حيث ساعدت قوات " الشاه " عُمان في القضاء عليه، في الوقت الذي دعمت فيه بعض الأنظمة العربية المتمردين، وما بني عليه لاحقاً من الموقف العُماني غير المنحاز عربياً في القضايا التي كانت إيران طرفاً فيها، ابتداءً من معارضة عُمان إصدار إدانة بحق إيران بخصوص أحداث الحرم المكي، والموقف من الحرب العراقية الإيرانية.
كما جاءت الزيارة التي قام بها سلطان عُمان لإيران منذ شهور قليلة في إطار تجديد الحيوية لتلك العلاقات المتينة، فالأرقام تتحدث عن تبادل تجاري وصل إلى 250 مليون دولار ، والتوجه نحو مد انبوب لنقل الغاز الطبيعي من إيران إلى عُمان، والإعلان عن قيام مناورات بين قوات البلدين في آذار 2014. مع الأخذ بالحسبان أن 63% من سكان عُمان يتبعون للمذهب الأباضي والذي ينظر إليه أبناء الخليج باعتباره قريب جداً من المذهب الشيعي، في حين يشكل السُنّة 37 % من عدد السكان المتجه نحو الأربعة ملايين.
الواضح من تاريخ العلاقات العُمانية الإيرانية متانة هذه العلاقات لاعتبارات جغرافية متقابلة، وتاريخية متناصفة، وإلى حد ما عقائدية متماثلة. وبالتالي فإنني ممن يميلون إلى اعتبار أن التصريحات العُمانية جادة، وهذا ما أخر الإعلان عن الاتحاد في قمة الكويت، ويبدو أن مسقط متستعدة للتضحية و تحمل تبعات خروجها من مجلس التعاون، لكن باعتقادي بأن ثمن ذلك سيكون مكلف اقتصادياً بخروجها من مشاريع التنمية، ومكلف سياسياً الأمر الذي قد يفرض عليها نوعاً من العزلة. وعليه فإن دوافع الموقف العُماني سياسية بحتة وتأخذ بالحسبان علاقتها مع جارتها إيران .
ويبدو أن الفهم الخليجي الواسع للاتحاد يأخذ بالاعتبار جسامة الوضع الإقليمي- بالنظر إلى الوضع المصري غير المستقر، والسوري غير المحسوم والتقارب الإيراني الغربي-، وبناءً عليه ستكون المرونة حاضرة من حيث ترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات العُمانية المستقبلية لقبول فكرة الاتحاد وأن تكون جزءًا منه، كالعودة الذاتية للأشقاء، أو كنتيجة لتبدل النظام بنيوياً أو هرمياً تبعاً لمقتضيات الحاجة والزمن، أو اللجوء لتسريع خيارات بديلة كانت قد طرحت سابقاً حول انضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، خاصة إذا ما عرفنا أن عُمان هي من قادت معارضة انضمام الأردن لاعتبارات قرب الأردن من العربية السعودية بالذات، وعدم دعم العلاقات الأردنية الإيرانية بروافد تعاون جديدة وبقاء العلاقات في حدود دبلوماسية الضرورة، والخوف من بروز منافس جديد قد يؤثر على حصة عُمان من مشاريع التنمية الخليجية. وبناءً عليه فأني أرى وجهة النظر الخليجية تقول " إن اتحاداً بين خمس دول خيراً من تعاون بين ستة ".
حدوث المفاجآت مستقبلاً من قبيل الانسحاب العُماني من المجلس، واعتماد الاتحاد بديلاً عن التعاون، لا شك سوف يغير من معطيات سابقة حول انضمام الأردن إلى مجلس التعاون أو الاتحاد الخليجي لو تم. ففي الوقت الذي تحتاج فيه الدول الخليجية لتوسيع منطقة الاتحاد، ومحاولة حشد عربية بقيادة سعودية للوقوف في وجه التحديات الإقليمية المتسارعة، نجد أن قطاع الطاقة في الأردن والذي يعتبر العامل الأكبر في خسارة الاقتصاد الأردني لقوته وشبابه بدأ يتماثل للشفاء مع بروز مشاريع كبرى، كمشروع المفاعل النووي السلمي الأردني، ومشروع ناقل البحرين، وقرب الاستفادة من الصخر الزيتي المتوافر بكميات ضخمة جداً، الأمر الذي سيخفف من الواقع الاقتصادي الصعب، إضافة للتحسن الذي طرأ على الآليات المستخدمة في الحرب على الفساد وظهور نتائج إيجابية، كما أن التأثير الأردني واضح في الملفين العراقي و السوري إنسانياً وسياسياً وهما البلدان اللذان تغلغل فيهما المد الإيراني. مع وجود إردني في مجلس الأمن كممثل لعرب أسيا حالياً.