مواسم الأردن حتى وإن كانت عدة أيام من الثلج والبرد فرصة لتعيدنا إلى مفاهيم أساسية في العمل يؤكد عليها جلالة الملك منذ تولى المسؤولية الدستورية وحتى آخر لقاءاته، ولم يتوقف التوجيه الملكي عند الحديث بل يقدم النموذج العملي ويراه الأردنيون يمارس ما يطلبه من المسؤولين ليس من قبيل المجاملة أو المديح.
القول أن الملك خلال الأيام الأخيرة قدم النموذج، وأيضاً وجه الرسالة لهواة التصوير والعمل في المكاتب حتى وان كانت غرف عمليات أو ما يشابهها.
يوم السبت كان جلالة الملك في شارع الشهيد وصفي التل وربما في مناطق أخرى، وشاهدناه جميعاً يساعد مواطنا على إخراج سيارته من الثلج، والرسالة واضحة أن جهد المسؤول لا يكون وراء الميكروفون وإنما حيث معاناة الناس ومشكلاتهم، ويوم الأحد كان النموذج والرسالة الثانية التي أرادها الملك من خلال المؤسسة العسكرية صاحبة الجهد الصادق، وذهب جلالته إلى عجلون وتجول على ظهر الدبابة في بعض مناطقها، وحمل مع العسكر (كراتين) المساعدات لمن حاصرتهم العاصفة، عمل وكأنه مسؤول ميداني وكان يمكنه عبر الهاتف أن يوجه الجهات المعنية لكنه يريد القول أن المسؤولية ليست خطابات أو صوراً أو مجموعة ضخمة من المسؤولين في قاعة متخمة بالدفء والكاميرات وأجهزة الكمبيوتر.
على هدي الملك شهدنا بعض الوزراء في المحافظات مثل وزير الأشغال، ومن المؤكد أن هناك آخرين في المحافظات، كما رأينا مدير الدفاع المدني وآخرين.
يستطيع كبار المسؤولين أن تحملهم طائرات الجيش إلى أي بقعة في الجنوب أو الشمال ليكونوا بين الناس ويعودوا إلى بيوتهم، فالناس تحتاج إلى تضامن ومشاركة عملية، وتحتاج إلى من يرى واقعهم لا من يقرأ عنه في تقارير ورقية.
العمل الميداني ليس خروج المسؤول من مكتبه إلى مكاتب أخرى تبعد بضع كيلومترات، لكنه الوجود بين الناس أو قرب معاناتهم.
في أزمات قصيرة الأمد مثل الثلجة فان اقتراب المسؤول من المشهد وإدراكه لما يعاني الناس أمر هام في إيجاد الحلول، وفرق بين أن يكون انقطاع الكهرباء عدة أيام خبراً في الإعلام أو بنداً في تقرير، وبين أن يزور مسؤول بلدة أو حياً غارقاً في الظلام، فالإحساس بالمشكلة يعني إدراك أهمية إيجاد الحل.
ليس غريباً على الملك أن يكون في أي قرية أو قرب أي معاناة لمواطن، لكنه أيضاً يحرص على أن يقول للمسؤولين أن قربكم من الناس جزء من إدارة الأزمات ولا عذر لمسؤول لأن لديه الامكانات الفنية للوصول إلى أي نقطة حتى في ناقلة جنود.
هذه الأزمات فرصة كبيرة للمسؤولين لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والحكومات، واستثمارها من خلال الأداء الميداني وسرعة حل المشكلات عمل وطني وسياسي، لكن الأمر يحتاج إلى معاناة وتعب وسرعة بديهة في التقاط توجيهات الملك والقدوة التي يقدمها لنا جميعا.
(الرأي)