هناك محاولة لخلق رأي عام بأن أداء المؤسسات العامة في مواجهة آثار العاصفة الثلجية، نهاية الأسبوع الماضي، كان في مستوى أفضل؛ وأن معظم الجهات قدمت ما بوسعها. وهذا صحيح إذا ما تمت مقارنة ما حدث هذه المرة مع الثلجات السابقة.
لكن في الوقت نفسه، فإن هذا الواقع لا يعفي العديد من مؤسسات الخدمات العامة من مسؤوليتها ومن مساءلتها؛ فثمة تقصير وتهاون بشأن حياة المواطنين ومصالحهم. وفي المقابل، حاول العديد من الجهات تبرير تقصيره بوضع الحق على المواطنين أنفسهم.
جل الانتقادات واللوم انصب على شركات الكهرباء في العاصمة والجنوب على حد سواء. فأكثر من 180 ألف مكالمة تلقتها غرف الطوارئ في الأيام الثلاثة الأولى من العاصفة،تركز معظمها على أعطال الكهرباء، بينما كانت الاستجابة بطيئة ومتأخرة. وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى الاعتراف بهذا التقصير.
وفي خطوة غير مسبوقة، أحال مجلس الوزراء شركات توزيع الكهرباء في الوسط والجنوب إلى النائب العام للتحقيق بالتقصير خلال المنخفض الجوي.
ردود شركات الكهرباء التي قدمتها لوسائل الإعلام، وضعت الحق على المواطنين الذين اتهمتهم بسرقة الكهرباء، ما زاد من الأحمال التي تجاوزت قدرة الشبكات على التحمل، على حد زعم هذه الشركات. ومرة أخرى، وضعت الحق على الأشجار التي لم تصمد في مواجهة الرياح العاتية.
بالفعل، الحق على المواطنين الذين تحملوا شركات الكهرباء وقطاع الطاقة على مدى أربعة أعوام؛ ذلك القطاع الذي أفقر الدولة والمجتمع، وضاعف مديونية الدولة ثلاثة أضعاف، نتيجة سوء الإدارة والارتجال، وعدم القدرة على التعامل الرشيد مع الأزمات الداخلية والخارجية.
ولا يمكن أن نبرر هذا التقصير إلا بعدم قيام هذه الشركات بأداء واجباتها. وبالتالي، تكون هي التي سرقت جيوب المواطنين، وليس كما تدعي. فنظرة سريعة على خطوط وشبكات الكهرباء في مختلف أنحاء المملكة، وتحديدا في المحافظات، توضح أن هذه الخطوط عبارة عن عشوائيات مرعبة، بعضها لم يجر له أي تحديث منذ أن ورثت هذه الشركات تلك الخطوط من البلديات؛ ربما منذ أكثر من ثلاثة عقود.
لذا، فالارتجال والإهمال ليس وليد هذه العاصفة ولا بسببها، بل هي كشفت ضعف هذه البنية وعدم صمودها، رغم ما تحققه هذه الشركات من أرباح تُدفع من جيوب المواطنين.
صحيح أن عددا من المواطنين والشباب عطلوا حركة السير في ظروف استثنائية، حينما خرجوا من دون ضرورة، ولمجرد التنزه في الثلج؛ ولكن ليس كل من كان في الشوارع الرئيسة والطرق الخارجية متنزهين، بل هناك الكثيرون ممن فرضت عليهم الخروج أعمالهم، أو نقص الوقود والغذاء، فعلقوا في وسط الطريق.
وقد تمت المبالغة في تصوير الأمر، وكأن كل الذين تقطعت بهم السبل أو قضوا ساعات في سياراتهم، قد خرجوا للتنزه.
في كل ثلجة، تعاد نفس الاتهامات وتُسرد المبررات ذاتها. في هذه المرة، هناك إجماع على تقدير ما قامت به القوات المسلحة والدفاع المدني والأمن العام، وهناك إجماع أيضا على مساءلة شركات الكهرباء.
وثمة حاجة للاعتراف بحجم فجوة المعلومات وسوء إدارتها والتعامل معها في الأزمات، وحاجة أكبر للكف عن ثقافة التستر، ووضع الحق دائما على المواطنين.
(الغد)