لعل النجاح بات مضمونا مع نشاطات الملك العلنية , فالهدف لجلالته عندما أطلق ميثاق النزاهة لا يقتصر على وضع الخطط الحالية فحسب , بل تعداه للإطار الزمني والذي يعني محاربة الخلل ومواجهة التحديات قبل أن تحدث , وهذا يعني أن عوامل النجاح لهذا الميثاق تبدأ أولا بتحديد متطلباته , ومنها الاستخدام الأفضل لتنفيذ الخطط الموضوعة لمواجهة أي طارئ قد يحدث , بما يعني أن الاستخدام الذي لا يفضي للتقدم هو مضيعه للوقت .
فتطوير منظومة النزاهة التي وردت بالخطاب الملكي , ليس كما يظنها البعض على أنها عمل تكتيكي أو خطوات عمليه استراتيجيه بالكامل , بل الشعور بالمسؤولية لمن يسيئون الى مفهوم الصدق بعملهم ويضعفون ثقة المجتمع بهم , فهذا المفهوم يرتبط بمفهوم الوطنية والذي يعني دولة الحق وقوة الايمان بالمبادئ والمشروع الأخلاقي , وهي أهم معايير ومتطلبات النزاهة , فالنزاهة علاقات نفسيه وموازين خلقيه وهي قيم أخلاقية عامة مشتركة بين جميع أفراد الشعب.
ان تكريس مفاهيم النزاهة كمؤشر على الاصلاح لا يكون الا في اطار الرغبة من الجميع , بعيدا عن التخبط بالشعارات والاتهامات , فليس من المنطق عند وقوع الأزمات اتهام الآخرين جزافا, وليس من المنطق اطلاق الوعود من المسؤولين من غير دراية بالواقع، وهذا يتطلب منا كمواطنين ومسؤولين أن نزن كل خطوة نخطوها وان تستند الى تقييم موضوعي , فالإصرار على الاصلاح والتمسك به والتقييم القائم على الواقع هي قيم ايجابية وعوامل لتحقيق الثورة البيضاء التي دعا اليها الملك , بالمقابل فان النقد المبني على ايدولوجيات وتسويغ الشك واتهام الجميع للجميع , كلها قيم سلبية وعوائق لتعطيل هذه الثورة البيضاء , والفصل بين تلك القيم يعتمد على الثقافة الناضجة، ولو تحقق ذلك وفرقنا بين القيم السلبية والإيجابية فهو تجسيد لحقائق المجتمع الاردني وذكائه بمواجهة أي طارئ , وهذا لا يكون الا بمجتمع حر تحكمه الديموقراطية , وهو ما يتصف به الشعب الأردني المتمثل بوعي الانتماء للواجب الأخلاقي.
فالدرس الرئيسي من خطاب الملك لميثاق النزاهة , هو نفس الدرس الذي يمكن أن نستخلصه عند حلول الوقائع والأزمات كان آخرها العاصفة الثلجية قبل أيام , وهو ضرورة اعتراف الجميع بوجود من تسبب بهدر الإمكانات والاموال , ثم عدم الاعتراف بالأخطاء التي وقعت فحسب , بل بالأخطاء التي يمكن أن تقع , هذا يحتاج للوضوح بمدى صدق الانتقال لننتج نموذجاً اصلاحيا وطنيا يشارك به الجميع ويفكر به الجميع , ولما كان الملك يدرك بأن شعبه يمتلك لمعايير الوطنية ومبادئ الحق والأخلاق , فهذا مؤشر مهم على أن هذا الشعب هو بالواقع يقتنع بقداسة المبادئ والأهداف ومشروعيتها الأخلاقية وهي من صفات المجتمع الحر المتماسك.
وفي ظل تراجع الوعي السياسي والأخلاقي عالميا , فليس من المنطق عند بناء مفهوم الاصلاح في هذه الظروف ان نجعل من الاعباء المالية التي تسبب بها أشخاص أو مسؤولون سابقون استثمارا لشعارات أخرى , وليس من المنطق الذهاب للانفعالات الطائشة وغير العقلانية عند وصف أداء الغير, هذا ليس لتقريب الفكرة , بل لألقاء الضوء على بعض المجالات لبعض الدوائر والمؤسسات بكلا القطاعين العام والخاص وهي كثيرة , كأمانة عمان مثلا وكثير من المؤسسات الحكومية , وكيف اصبحت ضعفا ملحوظا بعد ان كانت ذات النجاح الاوفر بالموارد واستعدادها لأي ظرف طارئ , تسبب بها من هم نتاج لضعف الخبرة أو من غلبت عليهم احكام المصلحة الخاصة على أحكام النزاهة من مسؤولين سابقين.
ويبقى التساؤل، وبعد هذه العاصفة الثلجية وتلافيا لأزمات أخرى محتملة, هل سينهض المسؤولون لدينا كأمين عمان ووزير الأشغال والبلديات في ضعف الموارد المالية لجعل الوضع الحالي لمؤسساتهم أكثر رغبه مما سبق، هذا يتطلب منا كمواطنين عدم التضييق وعدم كيل الاتهامات للغير أو الملاحقة المقصودة , فهذه التصرفات لعلها من المعوقات التي لا تتيح فرصا للتفكير المتأني والانتاج اذا كان المقصود هو رغبتنا بالإصلاح فعلا وليس شيئا آخر .