يريدون أن نصدق أن العاصفة الثلجية التي اجتاحت الأردن مختلفة عن غيرها، لهذا السبب تطلّبت العاصفة ستة ايام للتعامل معها، بما في ذلك اليوم طبعا.
كأننا بلا ذاكرة تقول ان هذا بلد ثلجي اساساً، واعتاد طول عمره، وخلال الثمانينيات والتسعينيات وحتى مطلع الألفية على عواصف شبيهة تتوالى خلال شتاء واحد، ثم يقولون لك إن المشكلة في زيادة البشر، وزيادة أعداد السيارات، والتبريرات لا تتوقف.
لا أحد هنا ينتقص أبدا شباب الجيش والدفاع المدني والأمن والدرك والأشغال والبلديات والصحة، فمن بقي في الشوارع طوال أيام، لا يمكن أن يتم انتقاصه.
هذه العاصفة يجب أن تعصف بكل مبدأ «إدارة الأزمات» في البلد، فإذا كانت عاصفة ثلجية أخرجت البلد عن وضعه الطبيعي بهذه الطريقة فإن كل «إدارة الأزمات» يجب ان يتم فتح ملفها، ونحن لم نشهد -لاسمح الله- هزة أرضية، ولا حربا إقليمية.
ولم نشهد فوضى عامة بسبب الربيع العربي، الذي كان ممكنا أن يتسلل الينا، ولا نريد توظيف عاصفة الثلج سياسيا، لكننا نتساءل من جهة أخرى: إذا كانت عاصفة ثلجية أغرقت البلد بهذه الطريقة، فأي ربيع عربي من الممكن أن نحتمل كلفه هنا؟!.
إذا كانت عاصفة ثلجية تجعل مدنا بأكملها تفقد الكهرباء أياما، وفتح الطرق يتأخر ويجري بشكل بطيء يتجاوز التجارب السابقة، فأين قدراتنا على مواجهة أزمات أكبر؟!.
خطاب التطمينات الإعلامي بأن «الوضع تحت السيطرة» وصولا الى «توجيهات عطوفته» لم يصمد أمام الحالة التي عاشها الناس خلال أيام، علاوة على أن الدعائية والاستعراضية في أداء المؤسسات لاتغطيان حقيقة كون كل هذا واجب وليس حنوا عاطفياً.
المفارقة أن كل النفخ الإعلامي كان الناس يرون عكسه على الواقع، وكأن البعض اراد استثمار الظرف لرفع الروح المعنوية للناس، فثبت العكس أمام بيوتهم وفي حياتهم.
هذه العاصفة التي اجتاحت البلد، يجب أن تعيد النظر بكل الإمكانات المتوافرة لدينا لمواجهة ازمات شبيهة، من فعل الطبيعة أو جراء أي ظروف أخرى، والمراجعة للازمة وادارتها يجب أن تتم سريعا.
والقصة تتجاوز قصة البحث عن ضحايا أمام الرأي العام، بقدر مراجعة كل إمكانات البلد المتوافرة فعلا، وطريقة إدارة هذه الأزمات بين الجهات المختلفة.
من جهة أخرى تقول هذه الأزمة إن كل البنى مهترئة، فالشوارع في اضعف حالاتها، ومجرد فتح الشارع يجعلك ترى حالة الطريق السيئة، والمعدات المتوافرة في البلد قليلة وقديمة من سيارات وجرافات وشبكات الكهرباء قديمة وضعيفة.
القطاع الخاص في البلد لم يشارك في الأزمة الصعبة إلا من جانب طرف واحد أو طرفين.
لا نريد للعاصفة أن تكون سببا بتصفية الحسابات بين المسؤولين لاحقا، أو تشويه سمعة هذا أو ذاك، بل نريدها سببا لمراجعة كل قدراتنا لمواجهة الأزمات، وإدارتها والإمكانات التي بين أيدينا، وقدرة المسؤولين أيضا في مواقعهم.
الفشل والضعف والبطء وقلة الإمكانات، سمات تقول إن أي ظرف آخر قد يستجد لا سمح الله سيؤدي إلى كارثة اكبر.
العاصفة اجتاحت قدراتنا على إدارة الأزمات قبل أن تكون مجرد ثلج يتساقط على الطرقات.
mtair@addustour.com.jo
الدستور