الملكية الأردنية الزاهرة في عيدها الذهبي الميمون
ممدوح ابودلهوم
15-12-2013 04:36 PM
(شريط الذكريات 1)
الفتى الموظف الذي كُنته بين عامين ضاربين
لكأنني ، اللحظةً ، أمام شريطٍ ينهلُ مادته الدرامية من معين ما تحت فروة الرأس ، يختلف عرضاً متواصلاً و طويلاً أمام عينيّ في ترحالٍ سينمائيٍ أو متلفزٍ والخفق سيّان ، ما بين معين ما في رأسي المثقلة بالذكريات آنفاً ، وبين معينٍ آخر يجوس فنيوه مخرجون و منتجون في حارات و حواري أعطاف المُشظات ، كي يقدمو مشاهد اخرى تساجلُ المشاهد الأولى فأقع أنا العاشق الذي كنته و المأفون الذي أصبحته صريع هذا العرض الذي يتقاسم ألمه الرأس مع الأعطاف !
أعود يا لي لفرح صبيحة 24/6/1968 غضاً طرياً كنت أنذاك صبياً أتلمس دربي على مشارف العشرين ، وقد أضفتُ اليوم لا يوم ذاك عامين حتى أحسِن التجوال في رياض الفتى الباسل الذي سرعان ما قد يصبح شيخاً في العشرين – ولذلكم وقفة لا حكاية (!) أترك خلفي سوق الذهب فينتصف شارع الشابسوغ فعلى اليمين المكاتب الرئيسة لمؤسسة عالية الخطوط الجوية الملكية الأردنية في عمارة عاكف الفايز ..
إذ قابلت يوم ذاك وقد تكررت مراجعاتي من الرجال الرجال ومن الهمل الهمل وكذا من الرائعات ومن الحيزبونات أيضاً ودونما أي تصنيف اليوم بفعل السنين أذكر الكبار ممدوح أبو حسان ومحمد الدباس وغازي ذياب وخلدون الناصر للتمثيل لا للاحصاء ، وقد تختلط عليّ الأسماء ما بين عام 68 حيث تعييني الأول و عام 1970 حيث عودتي الثانية – وهنا وقفة لكن بلا علاج إذ سيتبعهما عام 1979 تعييني الثالث !
حتى إذا ما جُلت في المكان فسأرى علي غندور وخليل السلواني وفيرا خميس وكلير تادروس ثم مروان دودين وغيرهم وغيرهن ، وبعد لأيٍ مفرحٍ ومذلٍ في آن معاً استلمت كتاب تعييني وهويتي التي حملت رسماً للفتى الذي كنته بمشروع الشارب الدوجلس الذي ربيته ! ، أما مكان العمل المختار فكان مطار عمان المدني في خدمات المسافرين وتحديداً فالمستودعات العامة وأكثر تحديداً في وحدة المستودعات الجافة .
هات يدك .. من ثًمَ ، قارئي الكريم ، واتبعني صبح اليوم التالي أنذاك أترك بيتي في الهاشمي الشمالي حي الزغاتيت ، أهبط منحدراً ترابياً فوادٍ ثم مرتفعاً كي أصل عبر شارع الكنيسة إلى دوار نقاوة ، كي ابدأ المرحلة الثانية من رحلتي فأترك الطريق الترابي و أخذ الإسفلتي حتى أصل الى الدرج الطويل من هناك ، إلى المحطة ماراً فوق سقف السيل قاطعاً الشارع إلى حيث عمارة جميل الصالح وسينما الأهلي و أواصل مستعداً للمرحلة الثالثة فأصل شارع حارة المعانيّة على كتف الخط الحديدي الحجازي قرب خاصرة معسكر طلال كي أخذ باص ماركا إلى المطار ..
اخيراً ها أنا ذا أبدأ عملي بسعادة صبيانية عجيبة ، لعلها استمدت كيميائها من احساسي بإستقلاليتي عن أبي ناهيك بإحساسي بهذه النقلة من الصبا إلى الرجولة ، كيف لا وسيبدو ومنذ آخر الشهر شهر ذاك كل شيء جديداً راتباً زيّاً رسمياً والأهم بربطة عنق وأكثر أهمية أنني لم أعد تلميذاً ولا عامل باطون كل عطلة صيف ..
أنا الآن أنذاك أجلس على مكتبي بقالتي يفصلني عن مرسى المطار بابٌ زجاجي حيث المكان كان في طرف المرسى ، حيث أشاهد الطائرات من مختلف الأنواع الألوان والأحجام والهويات ايضاً ، لكن ما سيهمني ويعجبني بعد ذاك أنذاك طائرات عالية الثلاث من نوع (كرافيل10R )، والتي وبالمناسبة كان يسميها المرحوم الكابتن فلاح السعيد (THE FRENCH WOMAN) أي المرأة الفرنسية وهي كانت لكذلك حقاً ..
إلى ذلك ايضاً سأشاهد من على بعد قريب المسافرين يهبطون ويصعدون ما بين سلالم الطائرات والباصات أو سيراً على المرسى من وإلى قاعات المغادرين والقادمين ، غير أن المشاهد الأجمل كانت للطواقم الجوية من طيارين ومضيفين و مضيفات ، بزيهم السماوي الأقرب الى الجنزاري فرادا و زرافات يفترقون على بعد خطوتين من مستودعي الطيارون إلى مركز العمليات الجوية لصق المستودعات ، أما المضيفون الوسيمون والمضيفات الحسناوات فسيقبلون و يمرون أمامي حيث سيوقعون على زوادة الرحلة من عطور وسجائر وهدايا (إلخ).
واصلت صحبة الفرح لا بل أني وفي أول مساء وبعد تناولي وجبة العشاء في الطابق العلوي ، انتهزت وفي هدأةٍ من ضجيج العمليات و أصوات الطواقم والزملاء في المكان فسجدت على أرض المطار أمام مكتبي عفواً بقالتي ..
غير أنني وبعد أربعة شهور أو خمسة أو ستة ربما اكثر لم أعد أكثر ، استدعيت الى المكتب الرئيسي شؤون الموظفين تحديداً بناءً على طلب السيد غازي ذياب ، وما أن مثلت أمامه حتى بادرني : ( أخ ممدوح نحن مضطرون للإستغناء عن خدماتك ؟! ) ، وهنا صعقة لا وقفة لعلها لحظتذاك استمدت عناصرها من مركبين الأول كهرومغناطيسي والثاني من طارقٍ نيزكي حتى لا أقول شهابٌ لاهبٌ من جني سفلي (!) ، إذ أجبته وجلاً لا خجلاً : ( و أنا لحقت اخدم غازي بك ؟! ) !