جاءت "أليكسا" وهي تضمر النيّة لحبس الأردنيين ثلاثة أيام، على الأقل، في بيوتهم، وكأنها تعلم أن انشغالات الحياة واللهاث وراء لقمة العيش أشغل حتى الوالدين عن أبنائهم.
لم تفصح عن أهدافها، وكل ما عرفناه عنها أنها عاصفة ثلجية ثقيلة الظل ستغلق الطرق وتقطع الكهرباء والأشجار، لنعلن حالة طوارئ قصوى ردا على هجومها الكاسح الذي أغرقنا وغطى كل شبر في شوارعنا.
حين ظنت أليكسا أنها انتصرت بتعطيلها حياتنا، في غمرة انشغالها بقصف لا يتوقف، لم تدرك أنها تفتح لنا مجالا للجلوس مع أنفسنا ومراجعة الحسابات التي، ربما، جُمعت على عجل.
حلّت بثوبها الأبيض عروسا تشع دفئا في القلوب الباردة التي لم يفارقها الصقيع، لتعطي الجميع فرصة لمراجعة الذات، ووقتا كثيرا يعيد المرء خلاله حساب كل صغيرة وكبيرة بحياته.
لا بأس من التوقف لأخذ نفس طويل يوقف الطاحونة التي تدور بنا، والتي تأخرت كثيرا لضيق الوقت، لنعيد صيانتها، ونضيف لها ما نريد ونخلع عنها ما لا نحب، لنسكت للحظة خوفا من أن تضيع من أيدينا فرصة، ونحن نلهث خلف الحياة، ونضيع العمر في غفلة من دون تقدير لمعناه وثمنه.
جاءت أليكسا تضمر شيئا، ولن تعرف، حتى بعد رحيلها المنتظر، أنها منحتنا فرصة، ربما، لا تتكرر كثيرا، لإعادة ترتيب أوراق حياتنا التي يسيطر عليها إيقاع سريع، يأخذ العمر منّا في غفلة، ويضيعه في ظل تعدد الأهداف والطموحات.
يعلق صديق على "فيسبوك" أن السيدة القطبية الجميلة قربت العائلات وأعادت نسج خيوط علاقاتنا بشكل سليم، بعد حالة الفوضى العامة التي حلت بها نتيجة الانشغال والبعد وضيق الوقت.
وفي بيتنا الكبير الذي يضمنا جميعا تحت سقفه فعلت العاصفة الشقية الشيء ذاته، لنجد في لحظة أن أليكسا قربت الأردنيين من بعضهم، وأخرجتهم بأبهى صور الود والحب والتعاون والتآخي.
أليكسا ألغت الاختلافات الفكرية؛ السياسية والاقتصادية، ولم تفرق بين مدني وعسكري، وبين موال ومعارض، وغني وفقير، فجميعهم أردنيون هبوا لعون بعضهم؛ فالدركي في الطرقات يفتحها ويعين الناس، ورجل الأمن كذلك، والجيش سخّر إمكاناته للوقوف في وجه ضربات أليكسا لحماية إخوته وأبنائه.
أليكسا أخرجت أجمل ما فينا من مشاعر أضعناها في غمرة التنافس، والمناكفة والتشاحن أحيانا، لنكتشف معادلة دسنا عليها في حياتنا السريعة، وهي أن أي هجوم علينا، حتى لو كان ثلجيا، قادر على إخراج تلك الروح الجامعة التي تصنع منّا جميعنا حائط صد منيعا في وجهه.
ستغادرنا الحسناء ببياضها أكيد، لكنها ستترك خلفها قلوبا غسلت من كل الشوائب التي علقت بها، وأرواحا صافية أعيد بعثها من جديد، وحسابات جديدة تنظم معادلات حياتنا التي جفت لقلة ما نعتني بها.
دعونا لا ننسى أنفسنا ونعود مرة أخرى من جديد مجرد ماكينات تعمل وتركض وتلهث خلف اللاشيء، فأليكسا ذكرتنا بإنسانيتنا التي كدنا نفتقدها، لنكتشف أن للمرء عمرا واحدا، فليصنعه كما يشتهي ويحب.شكرا أليكسا.
بالمناسبة لم يعجبني اسم أليكسا؛ أفضل لو كانت بترا، جرش، فيلادلفيا أو سالتوس.
(الغد)