مفارقات عجيبة في خصخصة شركات للتعدين
سلامه الدرعاوي
04-02-2008 02:00 AM
قبل عام 1999 لم يكن مسموحا للاجانب الاستثمار في قطاع التعدين المحلي الذي كانت ملكيته وتشغيله محصورين بالحكومة فقط, الا ان التعديلات التشريعية التي ادخلت في بداية عام 2000 سمحت للاجانب الانخراط في الاستثمار في هذا القطاع الذي يعتبر "بترول الاردن", وكانت باكورة الخصخصة تركزت على الشركات الرئيسية في القطاع.في السنوات القليلة الماضية باعت الحكومة جزءا كبيرا من اسهمها اضافة الى تنازلها عن حق الادارة في معظم شركات التعدين الرئيسية بمبالغ كانت في ذلك الوقت كبيرة نسبيا للخزينة العامة التي كانت تعاني وما زالت من عجز مالي مزمن بات يهدد كل المنجزات التي تحققت, لنكتشف في النهاية بعد ان تمت خصخصة شركات التعدين الكبرى الثلاث الاسمنت, البوتاس, الفوسفات, باننا بعنا حصص الحكومة في تلك الشركات "بتراب المصاري".
نشرة FMB المتخصصة بالاسمدة والبوتاس قالت في نشرتها الاخيرة ان سعر طن البوتاس ارتفع من 160 دولارا للطن في نهاية عام 2006 الى 525 دولارا الشهر الحالي, في الوقت الذي باعت الحكومة 26 بالمئة من اسهمها بقيمة 4 دنانير للسهم او ما يعادل 126 مليون دينار مجمل الصفقة, علما ان السهم في بورصة عمان ارتفع قبل ايام قليلة الى 43 دينارا للسهم, وهذه التطورات جاءت في اقل من عام من بيع الحكومة لمعظم اسهمها للشركة الكندية.
اما شركة الفوسفات التي بيعت لمستثمرين من بروناي فقد بيع السهم بمبلغ 2.8 دينار قبل عام تقريبا في صفقة اجمالية بلغت 88 مليون دينار, في حين ان سهم الشركة تجاوز في بورصة عمان مؤخرا حاجز الـ "15" دينارا, في الوقت ذاته ارتفع سعر طن الفوسفات الخام من 82 دولارا للطن في نهاية 2006 اي قبل الخصخصة الى 235 دولارا في الوقت الراهن, كما ارتفع سعر سماد الامونيا DAT من 278 دولارا للطن الى 750 دولارا للطن خلال نفس فترة المقارنة.
وبخصوص شركة الاسمنت الاردنية التي كانت باكورة مشاريع الخصخصة لشركات التعدين فقد بيعت الى شركة لافارج العالمية بمبلغ تجاوز الـ 70 مليون دينار في عام ,2001 وقد ارتفع سهمها من 1.8 قرش الى 12 دينارا في الوقت الذي ارتفع فيه سعر طن الاسمنت من 30 دينارا الى اكثر من 80 دينارا في بعض الاوقات.
اما بالنسبة لارباح تلك الشركات الثلاث بعد الخصخصة فقد جاءت اكثر من التوقعات, لا بل ان ارباح شركة الاسمنت لعام 2006 على سبيل المثال لا الحصر جاءت ضعف قيمة صفقة خصخصة الاسمنت بكاملها, وهذا الامر ينطبق على باقي شركات التعدين.
هنيئا للمستثمرين الاجانب هذه الارباح الطائلة التي فاقت كل التوقعات, والتي ان دلت على شيء انما تدل على عقلية الجباية المسيطرة على الفكر الاقتصادي لمسؤولي الدولة في ذلك الوقت, وعدم قدرتهم على دراسة المستقبل وافاقه, علما ان معظمهم يدعي بانه من الخبراء القلائل في العالم في مجال تخصصه وانهم درسوا في ارقى الجامعات الغربية, فانظروا اي خسارة تكبدتها الحكومة ببيعها لحصتها في شركات التعدين, واي فوارق مالية كانت ستجنيها الخزينة لو أخّر البيع لاشهر قليلة.
لا شك ان الخسارة كبيرة على الاقتصاد, واجزم ان ما تم في خصخصة شركات التعدين الثلاث السابقة كمن باع بقرته من اجل شراء الحليب!.