د. اربيحات يكتب : ايها القلب لا ادري هل اتعبتك ؟ ام اتعبتني ؟
د. صبري ربيحات
13-12-2013 10:35 PM
د. صبري اربيحات
استمعوا لقلوبكم التي ترسم خريطة حياتكم.
في صباح الامس تأخرت قليلا عن برامج عملي المعهودة ،افقت قبيل السابعة بقليل في محاولة للتكيف مع برنامج الدوام القادم....اطليت من نافذة المطبخ المشرفة على شارع الجامعة....السيارات تتهادى، والسماء ترسل صفائها للارض، والارض تترنح مثل أطباق الحلويات النابلسية.
جلسنا قليلا نتحدث عن المطر ،والناس ،تصفحت ما كتبه الاصدقاء على جدران صفحاتهم الالكترونية....سطرت خاطرتي اليومية حول طقوس الثلج والمطر واستجابات مؤسساتنا العتيدة لها....
احسست بضيق في التنفس فتسحبت الى غرفتي ...وتحدثت مع صديقي طبيب القلب الذي اثق به كثيرا... ..وصفت له الحالة.... ثم امرني أن ألاقيه في طواريء المركز العربي على عجل...انتبهت زوجتي الى استعداداتي المفاجئة لمغادرة البيت...سألتني عن مقصدي فأجبتها وما كدت أكمل لها ما قلت حتى انهمرت دموعها فدخلنا في سباق أينا يجهز نفسه أولا.
حاولنا أن نغادر البيت دون أن نثير انتباه صغيرنا الذي لا يترك امرا دون تعليق أو رأي أو موقف، فهو صاحب موقف وحكم حتى على الأشياء التي لا يأبه لها أبناء جيله....دخلنا الى مرآب عمارتنا وادارت نسرين محرك السيارة ...جلست الى جانبها ..وأنا في كامل هيئتي الشرق أردنية (البدلة، والصاك الطويل، والشماغ الأحمر، والعقال)....
طوال الطريق سيطر علينا الكثير من الخوف والقلق والتوتر ....بدأنا نتبادل اللوم نسرين وأنا حول الاهمال الذي عانت من صحتي خلال النصف الثاني من العام الحالي....ساعات طويلة من العمل ...قليل من النوم ....وتهرب من الأطباء.
في اقل من 10 دقائق مستفيدين من خلو الشوارع من السيارات والمارة وصلنا طواريء المركز العربي... دخلنا الى دهليز الاسرة الفارغة ...وجدنا ثلاثة من كوادر التمريض الذين بادروا الى تنفيذ تعليمات الطبيب في اجراء الفحوصات الأولية......حسب الأعراض الموصوفة، لا شىء يدعو للقلق.........قال الشباب المعنيون بالفحوصات.
يحضر الطبيب المختص.....فالدكتور أحمد الحراسيس طبيب عمل في أحسن مراكز تطبيب القلب في الولايات المتحدة........ وعاد ليداوي القلوب التي أتعبها الصبر... والوجد ....وخيبات الأمل. بصوته الدافيء... وابتسامته التي أخفت ورائها شيء من القلق نظر الطبيب الفذ الى نتائج الفحوصات وتمتم بصوت خلا من الحسم بأن الأمور على ما يرام، ونظر الي في محاولة لتبديد مظاهر القلق التي لم يسعفني التهريج العبثي من اخفائها....الا أنه استدرك وقال سنجري القسطرة على أية حال.
تململت قليلا ونظرت الى وجه صديقتي الذي بدا عليه الاضطراب وكأنني استفتيها فيما سمعنا...فأجابت بأن لا مجال للتأجيل وعلينا القيام بذلك اليوم.اخبرنا الطبيب الحراسيس أن العملية استكشافية غايتها استكمال مستلزمات التشخيص الدقيقة وأنها لن تتجاوز النصف ساعة ويمكن لي أن اتتبع رحلته الاستكشافية في جوف شراييني
....على الفور بدأت خطوات التجهيز وتسلمني ممرض تبدو عليه ملامح المهنية العالية فحاولت أن امازحه لافتا الى الصلة بين شبابنا الملتحي والاسلام السياسي، فأجابني بابتسامة مغموسة بخفة دم فاجأتني بأنه وزملائه الملتحين يقفزون عن الرقم 4 ولا يدخلونه في حساباتهم لكي لا يتهموا بانحيازهم الى ما يدور في ساحة رابعة العدوية.
كان كل الذي قلته ضرب من الهلوسة والتخريف لاتغلب على الخوف مما قد تفضي اليه رحلة الاستكشاف التي عزم الحراسيس على اتخاذها ودخوله الى قلبي الذي كان ينبض خوفا وتعبا وواجبا لكي يهيء الروح الى الحب والنسك والعطاء.
واخيرا استلقيت على لوح الطبيب وأنا اتمتم
"يا ابو رشيدة قلبنا اليوم مجروح...................جرحا غميق وبالحشا مستظلي"
"جابوا الطبيب ومددوني على اللوح...............قلت برخى لمن عشيري يصلني"
أبلغني الدكتور أحمد وهو يتابع رحلة اسياخة الطبيه في شراييني التي بدت له مثل الطرق الصحراوية في الايام غير المغبرةسالكة بلا عوائق،
توقف سيخه الذكي عند بوابة أحد أهم التمديدات الشريانية المغذية لقلبي النابض المحب.....وهنا بدت على وجهه مشاعر الحب والاهتمام والرغبة في بعث الطمأنينة في نفسي المستسلمة ، وكأنه يريد ان يقتبس من نزار قباني المقطع الذي يقول "قاتلتي ترقص حافية القدمين في مدخل شرياني.....".
الحمدلله أننا أجرينا القسطرة لقد كانت ضرورية وما علينا الان الا ان ندعم هذا الشريان العاصي الذي توقف عن اداء واجبه في ضخ الدماء الى مستحقيها .طمئنني الصديق بانه سيعيد هذا العاصي الى صوابه....بان يوقعة في شباك تحول دون استمرار تامرة..وطلب مني ان اتابع على الشاشة التي اداروها باتجاهي اجراءات فض العصيان.. خلال عشرون دقيقة كانت الامور على ما يرام ...وتاكد سيد الموقف ان الدماء عادت لمجاريها
وما كدت ادخل الى موقعي في صالة العناية الحثيثه حتى تواردت وجوه اهلى المحبين الذين ارى في كل منهم صديقا يغمرني بالحب الصادق والاحساس العميق بان على تراب بلادنا ما يستحق الحياة.......فشكرا لكل الذين اعطوا لمفهوم الحب ابعادا قد لا نراها ونحن نطارد اهدافنا الواقعيه والوهميه...في بيئة يلفها الغموض.