مررت قبل أيام بالصدفة قرب بيت لا تخفق الأرياح به ولا تستطيع ان تفعل في الواقع لصديق ممن أنعم ألله عليهم بالمال الوفير وشاهدت بعيني نجل هذا الصديق وهو فتى في ريعان المراهقة وهو يمتطي مع رفيق له صهوة سيارة فارهة جدا ولم يكن هذا المشهد غير إعتيادي بالنسبة لي. وما لم يكن إعتياديا هو الطريقة التي ينظر فيها الفتى الثري لكل من حوله فقد خاطب رجلا في الخمسين من عمره يعمل لدى والده بالتأكيد قائلا{روح جيب لي الخلوي نسيته} ثم أضاف{ دير بالك يوقع على الأرض}.
.. بطبيعة الحال هرول الرجل المغلوب على أمره فيما كانت مجموعة من الحشم والخدم تنتظر توديع الفتى المدلل .
وحتى الأن قد يكون الأمر إعتباديا لكني تذكرت نفس الفتى كيف كان يبدو خجولا ووادعا وقطا أليفا يفيض بالبراءة عندما أمره الأب قبل اسابيع فقط بمصافحتي وعلمت وقتها كيف يحيل المال القط إلى نمر متوحش.
وفهمت كيف يؤثر الثراء خصوصا الفاحش في الإنسان الصغير فيحوله من طفل ناعم الملمس تارة مليء بالأدب والأخلاق ولا يرفع عينيه عند الحاجة إلى شاب متنمر يحتفل مع صديقه باستعراض فحولته على مجموعة فقراء كتب عليهم الزمان خدمة عائلته وبينهم من يفوقونه بالسن كثيرا.
.. أعلم الأن ان مشهد الفتى المتنمر الذي فكرت بالذهاب وصفعه امام خدمه وحشمه موجود في الكثير من الفلل والقصور التي لا يدخلها الفقراء إلا للخدمة فقط لكن المشهد على نحو أو آخر أشعرني يالكثير من الخجل الإنساني لعل السبب هو صداقتي وإحترامي الكبير لوالد الفتى المتنمر إلا ان ما يستفزني هو السؤال التالي.. كيف تحتمل ارض واحدة مثل هذه المفارقات الإنسانية؟.
.. في جلسة أخرى إستذكرنا معا ما قاله ابو ذر الغفاري{ عجبت لمن بات على الطوى .. كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه}.. ومع إستذكاري لمشهد الولد المتنمر وجدت نفسي مظطرا لترديد عبارة الصديق سمير الحباشنة الذي دعانا جميعا للشعور بالخجل لإن 13 % من طلابنا يذهبون للمدارس يوميا وهم {جياع}..
الأمر فعلا يدعوني للخجل .. انا أخجل من نفسي ومن كل العالم الكذاب الذي أعيش في داخله وأعرف جيدا أن في بلدي أثرياء وأغنياء وحيتان يمكنهم ضمان ساندويتشه على الأقل يوميا لكل طلابنا الجوعى إذا ما قرروا تخفيض نفقات اولادهم بمعدل لا يتجاوز تعديل {مشاويرهم} في عمان الغربية.
.. الجوع يا ناس كافر ومسبقا أقول اني كمواطن لن ألوم أي جائع مهما فعل ما دام لديه جار يطعم حي بأكمله من فائض طعامه ونفقاته.. هناك خلل كبير في مجتمعنا ولابد لضمير الأثرياء بان يتحرك.