يعاني الوضع الفلسطيني برمته حالة من التردي بسبب غياب المشروع الوطني الجامع، مما يضع الفلسطينيين في مهب الريح، فالحالة الفلسطينية تحولت إلى "فكرة غامضة"، غير مبنية على اسس استراتيجية وليس لها اهداف واضحة المعالم. وهي حالة متشظية بين جناحي الازمة "فتح وحماس"، تعكس ازمة عميقة وخطيرة ومؤلمة لانها لا تقدم اي رؤية او افق للشعب الفلسطيني.
فمن جهة هناك "عملية السلام" والمفاوضات العبثية التي تحولت إلى هدف بدل ان تكون وسيلة، فلا الاسرائيلي راغب باعطاء شيء ولا الفلسطيني قادر على انتزاع شيء، وفي الاثناء يستمر الكيان الاسرائيلي بقضم الارض وطرد الانسان الفلسطيني وتهويد القدس وحصار غزة، وتستمر سلطة رام الله بالتمسك بالمفاوضات "خيارا استراتيجيا وحيدا" بلا بدائل، مما يجعلنا نسأل هذه السلطة فيما اذا كانت تستطيب المفاوضات والجلوس مع الاسرائيليين وتبادل الاحاديث في الفنادق الفارهة على حساب الشعب الفلسطيني، مما يثير التساؤلات حول الاهداف الحقيقية لرئيس سلطة رام الله محمود عباس ميرزا "ابو مازن" واركان سلطته!.
من المعروف ان اي تفاوض لا يستند الى قوة على الارض يعني الاستسلام وتقديم التنازلات، وهذا ما تقوم به سلطة رام الله، فهي تقدم التنازلات للاحتلال الاسرائيلي دون ان تحصل على اي مقابل، وهذا ما يجعل منها سلطة فاشلة بامتياز، بل اكثر من ذلك انها تحولت إلى سلطة تنوء تحت جبل من الديون بمليارات الدولارات مما يجعل منها سلطة مديونة تعمل تحت الاحتلال وتنسق معه امنيا واستخباراتيا.
على الجانب الاخر، هناك سلطة غزة، محشورة بين حصارين، حصار الاحتلال الاسرائيلي وحصار النظام الانقلابي في مصر، وتعاني الامرين من اجل توفير الرواتب ومتطلبات الحياة الاساسية لاكثر من 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة الذي تحول إلى اكبر سجن مفتوح في العالم، وهي ايضا مسؤولة عما وصل اليه الحال الفلسطيني من تردي بسبب الاستئثار بالسلطة في غزة دون شراكة مع الاخرين.
لا بد من الاعتراف ان حركة حماس قامت بدور عظيم في الدفاع عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ونفخت الروح في المقاومة الفلسطينية المسلحة، واجبرت الكيان الاسرائيلي على الاعتراف ان هناك حدودا لغطرسة القوة التي يمارسها، وتمكنت من صناعة حد ادنى من "توازن الرعب" مع هذا الكيان الغاصب المحتل، لكن هذا لا يعفيها من المسؤولية في الازمة الراهنة للقضية الفلسطينية لانها مثل فتح لا تقدم رؤية لانقاذ الوضع الفلسطيني من ازمته الخانقة التي اوصلته إلى شفير الهاوية.
لا شك ان القضية الفلسطينية مختطفة من "فتح وحماس"، وان الشعب الفلسطيني رهينة لهذين التنظيمين اللذين كسبا شرعيتهما بقوة الرصاص، فهما يتداولان تقرير مصير الشعب بعيدا عن الشعب نفسه، الامر الذي يذكرنا بصناعة القرارات زمن ياسر عرفات التي كان يوافق عليها بالتصفيق بعد مداولات في الغرف المغلقة وصفقات مع هذا الطرف او ذاك، بما في ذلك التنازل عن الثوابت الفلسطينية دون الرجوع إلى الشعب الفلسطيني الذي لا يوجد اي مؤسسة تمثله حاليا. فمنظمة التحرير الفلسطينية ليست اكثر من تجمع لفصائل انقرض معظمها ولم يبق منها سوى ما يسمى "الامين العام"، ولا المجلس الوطني الذي لم ينتخب الشعب ايا من اعضائه ولا حتى مجلس اوسلو "المجلس التشريعي" الذي انتهت مدته دون ان يعاد انتخابه، وكذلك "رئيس السلطة غير المنتخب".
من الناحية الديمقراطية جميع الذين يتصدون للحديث باسم الشعب الفلسطيني "غير شرعيين ديمقراطيا" وغير منتخبين شعبيا، وما هو موجود على الساحة الفلسطينية ليس اكثر من "دكتاتوريات" صغيرة في رام الله وغزة، وهي دكتاتوريات عاجزة عن مقارعة الاحتلال لكنها تستقوى على الشعب الفلسطيني فقط، من الاعتقالات إلى التعذيب وتكميم الافواه والارتباط بقوى خارجية لا تعنيها مصالح الشعب الفلسطيني بالضرورة، بل تستخدمه ورقة اقليمية او دولية تلعب بها.
الوضع الفلسطيني يحتاج إلى اعادة نظر بالكلية، وينبغي ان لا يبقى الشعب الفلسطيني عاجزا امام "شلل" فصيلين عن فعل شيء لصالح الشعب الفلسطيني، وحان الوقت للقوى الحية للشعب الفلسطيني للتحرك لتخليص فلسطين من براثن فتح وحماس وتذكيرهما انهما ليسا اكثر من فصيلين فلسطينيين وليسا كل الشعب الفلسطيني، وان عداوتهما التاريخية لا تعني الشعب الفلسطيني في شيء، وانهما يمكن ان يذهبا إلى الجحيم معا اذا فشلا في الاتفاق على قواسم مشتركة، ففتح وحماس وجدتا من اجل خدمة الشعب الفلسطيني وتحريره من الاحتلال وليس من اجل التسلط عليه وزيادة معناته وتشرده وموته والتنازل عن حقوقه.
مطلوب من القوى الحية والنخب الفاعلة في الشعب الفلسطيني ان تضع حدا لكل من فتح وحماس للكف عن العبث بالوجود الفلسطيني واجبارهما على الاعتراف بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وليس المصالح الحزبية والتنظيمية، وهذا لن يكون الا اذا تحركت هذه القوى الشعبية الفلسطينية في مواجهة هذه الفصيلين لاجبارهما على الاتفاق او اعلان فتح وحماس "فصيلان خارجان على مصالح الشعب" والبدء بتكوين بدائل غير مرتهنة للمال او للقوى الاقليمية والدولية.
hijjawis@yahoo.com