خلال العقدين الاخيرين شهدت خارطة انتشار قوى التشدد في العالم تغيرا , واقتصر التواجد في العديد من عواصم كثيرة على اثار هذه القوى اي العمليات التفجيرية التي طافت دولا وعواصم وشعوبا عديدة.
اليوم نعيش خارطة جديدة لم تنشأ سريعا لكنها تراكمت نتيجة الاحداث التي عاشتها المنطقة خلال عقد مضى , لكن فترة ما يسمى بالربيع العربي اضافت احداثيات جديدة على خارطة التشدد وتنظيماته ليس كفكر وانما كحالة تنظيمية تترجم ما تعتقد الى اعمال عسكرية.
الازمة السورية اعطت قوة دفع كبيرة لقوى التشدد التي تقترب او تبتعد قليلا عن القاعدة، لان دولا كانت في معسكر محاربة الارهاب استقدمت كل من استطاعت من قوى التشدد العسكرية وقدمت لها كل التسهيلات ليس حبا فيها بل لانها تدرك ان هذه القوى شرسة في القتال , ومصدر قوتها الفكر الذي تقاتل على اساسه والتشدد الذي يجعلها تخوض القتال دون ان تلتفت الى اي تسويات سياسية لانها لاتعمل لهدف سياسي بل لاعتقاد منها بانها الطرف الوحيد صاحب الحق والهدف دولة تمثلهم فكرا وتنظيما وطريقة حياة.
الازمة السورية اقامت احداثيات جديدة لخارطة التطرف والتشدد المسلح لانها منحته ساحة وسلاحا وعدوا وتمويلا , لكن من فتح الباب ربما يجد نفسه بعد حين مطالبا بمواجهة نتائج ما فعل، لان قوى التشدد ليس لها صديق من عالم هذه الدول، والعلاقة لاتختلف عن مبررات زواج المتعة او نكاح الجهاد.
خارطة التشدد اصبحت بعد الازمة السورية تضم ساحتي العراق وسوريا حيث التواصل الجغرافي وخطوط الامداد، وكان مصطلح دولة العراق والشام تعبيرا عن هذا الحال، والى جانبها الساحة اللبنانية التي ظهرت فيها خلال السنوات الماضية تنظيمات ممتدة الى القاعدة حملت اسماء عديدة .
واذا دخلنا الى فلسطين حيث كانت غزة تضم بذورا لتنظيمات التشدد , نجد ان حماس التنظيم والحكومة تعاملت بحزم وقسوة مع تلك التنظيمات التي كانت في بداية تغلغلها، وغزة أو فلسطين بشكل عام كان يمكن ان تجد مساحة كبيرة بحكم وجود الاحتلال، لكنها كانت ستسبب حرجا لحماس الحكومة، لكن تلك التنظيمات لم تختف من غزة وانما لم تكن تشكل حالة عسكرية لا في مواجهة حماس ولا الاحتلال .
وفي مصر هناك نشاط كثيف لتنظيمات متشددة ليس فقط في سيناء بل امتدت بعض اعمالها الى محافظات اخرى، لكن ما يجري في مصر ارتبط بملف عزل الاخوان من الحكم، وتعتقد الدولة المصرية ان زيادة تلك النشاطات جزء من عمل اخواني حمساوي وتعاون مع تلك التنظيمات.
وتمتد الخارطة الى ليبيا ومناطق افريقية اخرى حيث مالي، ومنها مازال نشاط القاعدة حاضرا في اليمن وهادئا او تحت السيطرة في ساحات خليجية اخرى بسبب الضربات التي تعرضت لها تلك التنظيمات فضلا عن تاثير الانشغال بالعراق منذ 2003 ومن ثم سوريا .
خارطة قوى التشدد قد تكون الملف الاهم امنيا وسياسيا في المراحل القادمة، وسواء كانت الدول تتوافق او تتعارض في مواقعها من ملفات المنطقة فان قوى التشدد عابرة للجغرافيا وهي التحدي الاكبر اقليميا وعربيا.
Samih.m@alrai.com
الراي