التعامل مع اعتصام الميناء حالة يجب أن تُعمم
بلال حسن التل
11-12-2013 05:10 PM
قلنا غير مرة إن الدولة هي أعظم ما وصل إليه العقل البشري من صيغٍ لتنظيم العلاقة بين الناس؛ فبدون الدولة تسود شريعة الغاب، ويأكل القوي الضعيف، وتنتشر الفوضى، ويغيب العدل.
والدولة ليست هي الحُكم بذاته، فقد يكون الحكم ظلوماً غشوما، وهو حتى في هذه الحالة أفضل من غياب الدولة، حيث يثور الناس رافضين للظلم لا للدولة. فتكون ثورتهم للوصول إلى صورة الدولة التي يريدونها: حامية للنظام، حافظة للأمن، محققة للعدل. والحكم بهذا المعنى هو التحكيم بين الناس ليصل كل إلى حقه، وفق عقد اجتماعيٍ تتوافق عليه مكونات الدولة غالباً ما يصاغ على شكل دستور ينظم العلاقة بين مكوناتها.
من هنا لا بد من أن نعترف للأردنيين الأوائل بالفضل الكبير، عندما سارعوا بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية إلى تشكيل الحكومات المحلية، حتى لا تغرق البلاد في الفوضى التي يخلقها غياب الدولة. ومن ثم راسلوا شريف مكة لإرسال أحد أبنائه لتحقيق أهداف الثورة الكبرى التي غدر بها حلفاؤها.
وهكذا كانت بداية تأسيس الدولة الأردنية الحديثة نابعة من إحساس الأردنيين بمفهوم الدولة ودورها، وأهمية هذا الدور، وهو ما دفعهم للعمل بجد على تدعيم أركان دولتهم الحديثة والفتية، واستكمال بنائها لتحقق لهم ما تحقق الدولة لمواطنيها، خاصة على صعيد انتظام الحياة في إطار من الأمن والأمان من خلال التصدي بحزم لكل من يسعى إلى تعكيرهما.. أعني انتظام الحياة والأمن العام.
من هذه الزاوية، ننظر براحة كبيرة إلى الأسلوب الحازم، الذي تم التعامل به مع الدعوة لاعتصام ميناء العقبة وشلّه عن العمل، مما يعني الشلل التام للبلاد، عبر شلّ منفذها البحري الوحيد بكل ما كان سيسببه ذلك من فوضى وأذى لعموم الأردنيين، مما لا يجوز الرضى به والسكوت عليه.
لذلك فقد أحسنت الأجهزة المعنية صنعًا عندما رفضت فكرة شل الميناء والخضوع لابتزاز الداعين لاعتصام الميناء، بعد أن صار الابتزاز سمة عامة للكثير من التحركات التي تشهدها بلادنا، بهدف تحقيق بعض المكاسب الآنية لهذه الفئة أو تلك، بغض النظر عن حجم الأضرار التي تلحق بسائر مكونات المجتمع جراء هذه المكاسب الفئوية المحدودة، التي يتم الوصول إليها من خلال إساءة استعمال لحق من حقوق التعبير عن الرأي والموقف-هو حق الإضراب والاعتصام-الذي صار الأردنيون يلمسون أن هناك مبالغة كبيرة في استخدام هذا الحق أدت في كثير من الأحيان إلى تجاوز كبير على حقوق الأردنيين وتضييعٍ لهذه الحقوق، خاصة عندما امتدت الإضرابات والاعتصامات إلى قطاعات حيوية تمس أمن المواطن وسلامة حياته وانتظامها.
فهل يجوز ان تتوقف الخدمات المقدمة للمواطنين في مرافق العدل، أو الصحة، أو المياه؟ بكل ما تشكله هذه المرافق من ضرورة إستراتيجية وحيوية لحياة المواطن وانتظامها، بل وأحياناً استمرارها من خلال استمرار المرافق الصحية في تقديم خدماتها، أو من خلال استمرار تدفق الأدوية والأغذية عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية للبلاد.
كما كان سيحدث لو أن ميناء العقبة توقف عن العمل، كما كان يريد الداعون لإضراب العاملين في الميناء، لولا الوقفة الحازمة للأجهزة ذات العلاقة، والتي قامت بدورٍ رئيسٍ من أدوار الدولة في تنظيم العلاقة بين الناس، والتي نريدها ان تمتد لتشمل كل الحالات المماثلة، فقد تعب الأردنيون من مسلسل الابتزاز الذي تمارسه قطاعات مختلفة للدولة، بعد ان تناست هذه القطاعات ان بلدنا يعاني أصلاً من أزمات مالية، وان الكثير من المطالب القطاعية ترتب المزيد من الالتزامات المالية على الموازنة العامة، مما يعني المزيد من الإرهاق لهذه الموازنة، ومن ثم لجيوب المواطنين المصدر الرئيس لتمويل الموازنة العامة.
لذلك كله صار من الهامّ تعميم الأسلوب الذي تم التعامل به مع الدعوة لاعتصام ميناء العقبة لحماية كل المرافق الإستراتيجية في بلدنا، ومن ثم للحفاظ على استقرار وانتظام حياة الوطن والمواطن. وهذا أهم واجبات الدولة وأدوارها.
(الرأي)