حصول الأردن على مقعد في مجلس الأمن بأغلبية ساحقة تصل إلى حد الإجماع -حيث صوت لصالح الأردن (178) دولة من (183) دولة حضروا التصويت- يمثل إنجازاً أردنياً كبيراً، يمكن أن يشكل عاملاً مهما لتحسين مكانة الأردن على الصعد الأخرى، وحافزاً للأردنين جميعاً نحو تحقيق تقدم جوهري على صعيد الديمقراطية والحكم الرشيد وتحقيق خطوات إيجابية على صعيد الإصلاح الوطني الشامل والتمكين المجتمعي القادر على اجتثاث الفساد، وتحقيق مستويات مقبولة من الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي، ويقابل ذلك ألا يتم الاستثمار بهذا الإنجاز من أجل تكريس الرضا بالواقع، ومقاومة عملية التغيير والتطوير وعرقلة عملية الإصلاح وشيطنة المخالفين!
دور الأردن في مجلس الأمن، ينبغي أن يشكل فرصة لتوصيل صوت العرب إلى العالم، وفرصة لمناصرة قضايا الأمة العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والإسهام بوقف المظلومية التاريخية التي أدت إلى تشريد شعب وتهجيره من أرضه ودياره، ومصادرة حقه بتقرير مصيره على مدار نصف قرن من الزمان على مرأى من العالم كله.
الفرصة التاريخية للأردن أن يظهر بصورة متميزة من خلال اتخاذ الموقف المشرف الذي يتفق مع الحق والمنطق الإنساني ومبادئ العدالة، ومناصرة قضايا الشعوب المستضعفة، كما يمثل ذلك تحدياً للأردن أن يحرص على التخلص من التبعية للدول الكبرى وألا يخضع للإملاءات، وعمليات الابتزاز والتي غالباً ما كانت تظهر بوضوح أثناء التصويت على القرارات المفصلية والقرارات الخطيرة التي تتعلق بمصائر الشعوب المهمشة.
الشعب الأردني والشعوب العربية تعلم تماماً أن وصول الأردن لمجلس الأمن لن يحقق المعجزات ولا يجوز المبالغة في التوقعات، وقد سبق أن وصلت بعض الدول العربية والإسلامية لذلك المقعد، وكان تأثيرها محدوداً في ظل تركيبة المجلس المختلة، حيث أنه يمثل نتيجة واقعية فرضتها حقبة استعمارية تاريخية سابقة، وعقلية تسلطية تناقض روح الديمقراطية! ما يقتضي أن يكون هناك صوت من أجل إصلاح نظام هيئة الأمم المتحدة ونظام مجلس الأمن، إذ ينبغي أن يكون هناك موقف عالمي متحد نحو تطوير هذه المؤسسة الدولية، حتى تكون مظلة حقيقية تجسد منطق العدالة وتقترب من النموذج الديمقراطي الصحيح، وتحمي قيم الحرية وحقوق الإنسان بطريقة تبتعد عن الروح الاستعمارية البغيضة التي تكرس التمييز والظلم والغطرسة والشعور باحتكار القوة.
أول خطوة نحو التطوير تقتضي البدء بإلغاء حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الدول الاستعمارية الكبرى، وأن يتم اختيار أعضاء مجلس الأمن جميعاً من الهيئة العمومية لدول العالم بطريقة ديمقراطية لمدة محدودة، ثم يتم استبدالهم كل أربع أو خمس أو ست سنوات، وأن تتساوى الأصوات في المجلس المنتخب، ويمكن في عملية الانتخاب في الهيئة العمومية أن تكون الأصوات بوزن يتناسب مع عدد السكان من أجل تحقيق مزيد من العدالة، وإلغاء الفوارق التي تقوم على أسس العدالة والقيم الإنسانية العامة.
هيئة الأمم يجب أن تتجه نحو تمثيل الشعوب، أكثر من كونها تمثل الأنظمة، ما يهيئ الفرصة لولادة تشريع دولي جديد، يقوم على الاعتراف بالأنظمة الديمقراطية فقط والتي تتمتع بشرعية الاختيار الشعبي النزيه، ما يشكل ضغطاً عالمياً مؤثراً على الأنظمة المتسلطة التي لا تخضع لمعايير الديمقراطية، ولا تتمتع بشرعية الانتخاب الحر النزيه من شعوبها.
مجلس الأمن بالإضافة إلى هيئة الأمم المتحدة ينبغي أن يكون لهما دور فاعل ومؤشر في إرساء الديمقراطية على مستوى العالم كله، وأن يسهما باسترداد الشعوب حقوقها المغتصبة باختيار حكامها، من خلال الضغط المعنوي عن طريق التشريعات العادلة والأنظمة المتطورة.
(الدستور)