الاعتداء على المستشفيات الحكومية .. لماذا ؟
04-02-2008 02:00 AM
شهدت اقسام الطواريء في عدد من المستشفيات الحكومية الاردنية ، خلال العام الماضي ، حالات اعتداءات جسدية على أطباء هذه الاقسام ، من قبل مرافقي المرضى ، واستدعت دخولهم المستشفيات ، نتيجة اصابات بالغة تعرضوا لها ، وخلال الايام الماضية ، تعرضت منشأت قسم الطواريء في مستشفى البشير للعنف من مرافقي مرضى ، توفوا الى رحمة الله بعد ادخالهم القسم . ان معرفة اسباب هذه الاعتداءات ، لا يحتاج لذكاء خارق ، فمن معرفتنا بطبيعة اوضاع المستشفيات الحكومية وظروف عملها ، سواء من ناحية ضغط العمل الكبير الذي يتعرض له طاقمها الطبي ، أواللامبالاة عند بعضهم ولها أسبابها ، نستطيع ان نفهم دوافع هذه الاعتداءات ، بانها ناتجة عن شعور مرافقي المرضى بتقصير هذه المستشفيات في معالجة أحبتهم المرضى ، ومماطلتهم في اتخاذ الاجراءات الطبية التي تبعث الاطمئنان في نفوسهم ، وهذا الامر قد يكون صحيحا في حالات معينة ، وقد يكون مبالغا في في حالات اخرى ، خاصة اذا علمنا ان المعالجة شبه المجانية في المستشفيات الحكومية ، تعزز هذا الشعور عند المرضى ومرافقيهم ، وحتى عند الاطباء انفسهم .
ان مثل هذا الأمر لا يحدث في المستشفيات الخاصة ، او نادرا ما يحدث ، حيث يدفع فيها المريض كامل تكاليف المعالجة ، وينعكس ذلك على خدمة الاطباء انفسهم ، الذين قد يبالغ بعضهم في تقييم الحالة المرضية ، ويبدي كل الاهتمام بالمرضى ، وقد يتم ادخالهم للمستشفى الخاص دون ان تكون هناك حاجة ملحة لذلك ، اضافة الى المتابعة الدؤوبة اثناء الاقامة من ناحية العلاج وزيارة الاطباء ، واختيار الطبيب الذي يرتاح له المريض ، وايضا تسهيل الزيارات الاجتماعية للمرضى ، كل ذلك يبعث على الاطمئنان للمريض ، ويبعث على الرضى لادارة المستشفيات ، حيث ان هذه العناية تسر المريض واهله وتزيد من ارباح المستشفى وتحسين سمعته .
ان الثقافة الشعبية السائدة عن المستشفيات الحكومية ، وبسبب كونها مجانية او شبه مجانية ، وبسبب حالة الاكتظاظ فيها ، هي السبب في الشك الدائم الذي ينتاب المريض واهله بفعالية أداء هذه المستشفيات وأطبائها وممرضيها ، وهي ثقافة تستند الى أسس صحيحة احيانا ، تجتمع فيها عوامل الشك بمستوى الخدمة الطبية المجانية ، مع عوامل الغضب من ضيق ذات اليد والفقر ، الذي يدفع كثير من المرضى لمراجعة هذه المستشفيات ، فمن انعم الله عليه لا يرسل احبائه الا الى المستشفيات الخاصة ومهما كانت التكاليف .
اود هنا ان اشير الى مشاعر متناقضة تولدت لدي ، من خلال التعامل مع المستشفيات الحكومية ، شعور بالتقدير للجهد الكبير الذي يبذله الاطباء والممرضين ، من خلال حجم العمل الذي يقومون به ، والضغط النفسي الذي يولده ذلك لهم ، وكفاءة كثير من الأطباء ، رغم شح الامكانيات في كثير من هذه المستشفيات ، يقابله شعور بالاسى يتولد من الاحساس باللامبالاة ، والتعامل مع بعض المرضى وكانهم متمارضين ، والتقصير في اوجه طبية عديدة .
كما لا بد ان بعضنا قد سمع بالاخطاء الطبية التي تحصل ، وهي هنا تشمل المستشفيات العامة والخاصة على حد سواء ، وقد كان بعضها مميتا ، وبالتاكيد فان الشعور بالمرارة تجاه هذه الاخطاء يكون اكبر في المستشفيات الخاصة ، لان المريض يتوسم فيها دائما الخدمة الممتازة ، ولانه يدفع تكاليف المعالجة كاملة ، اضافة الى تكاليف الخدمة الفندقية الباهظة ، والتي تفوق في حالات كثيرة تكاليف المعالجة نفسها ، ويكون مخزون الشعور بالغضب اكبر ايضا ، عندما تمر مثل هذه الحالات من الخطأ دون محاسبة رادعة ، فيظهر الأطباء في هذه الحالة وكأنهم فوق القانون .
انني لست من اهل الاختصاص ، ولا ادعي ان لدي الحل لمثل هذه القضية ، لكنني كمواطن احس بالمعاناة من مثل هذه التجارب ، وبالبون الشاسع بين خدمات المستشفيات الحكومية والخاصة ، اجد الحل الامثل بتقليص هذا البون ، من خلال توسيع مظلة التأمين الصحي ومرافقه ، بحيث لا يقتصر التأمين الصحي الحكومي على المستشفيات الحكومية ، بل باشراك المستشفيات الخاصة في المعالجة بغض النظر عن الموقع الوظيفي للمريض ، وبفارق كلفة بسيط عن المستشفيات الحكومية يدفعها المريض ، وبهذا نسهم بالتخفيف عن المستشفيات الحكومية ، وتهيئة المجال لها لتحسين خدماتها ، ونفسح المجال للمرضى متوسطي الحال او اقل من ذلك ، والذين لا يستطيعون دفع نفقات المستشفيات الخاصة بتسعيرتها المرتفعة جدا ، ان يحصلوا على العلاج فيها بكلفة اقل تتوافق مع امكانياتهم ، وهذا الامر معمول به – حسب معلوماتي - حاليا لكن مع وجود قيود كثيرة محددة له .
كما ان تحسين مستوى رواتب القطاع الحكومي ، والاستعانة باطباء القطاع الخاص في المستشفيات الحكومية ، هو امر مفيد في حل جوانب كثيرة من المشكلة ، ولا شك بان هذه القضية تحتاج الى دراسة معمقة من اهل الاختصاص ، يكون هدفها الاساسي تقليل الفرق في مستوى الخدمات الطبية بين القطاعين العام والخاص .
لا بد ايضا من التاكيد ، ان لا احد فوق القانون ، وان سياسة الثواب والعقاب هي سياسة عامة تشمل كافة الناس ، ولا بد من ايجاد التشريعات القانونية ، التي تردع من يرتكب الاخطاء الطبية الناتجة عن الاهمال وليس عن الاجتهاد ، وتضمن حقوق ضحاياها .
ان التركيز فقط على حماية الطاقم الطبي من اعتداءات مماثلة ، وتصويرهم وكأنهم ضحايا دائما، واهل الضحية هم المعتدون دائما ، هو تصور ناقص لا يغطي جميع جوانب القضية ، فقد يكون هناك تقصير فعلا ، دفع اهل المريض الى ردود فعل عنيفة ، وربما يكون هناك ايضا مبالغة من اهل المريض ، فمن الضروري ان يشعر المريض واهله بالاهتمام من الطاقم الطبي ، اما التركيز على الجانب الامني ، دون ان يتم ازالة المبررات الدافعة لمثل هذا العنف الموجه للمستشفيات الحكومية ، فهي معالجات ناقصة لن تحل المشكلة ، فالعقوبات مهما كانت ، ومن دون اجراءات وقائية تعالج الاسباب ، لم ولن توقف مسلسل التجاوزات ، فهي موجودة منذ خلق البشرية ، لكنها لم تنهي العنف والاعتداء ، ربما لان الانسان يجد نفسه احيانا ، ونتيجة الشعور بالغبن يتحدى العقوبات ، وربما تكون عند البعض الاخر فلسفة حياة ، يمارس على ضوئها العنف دون مبرر ، وهذا الامر ينسحب على امور كثيرة في الحياة .
m_nasrawin@yahoo.com