جميلة الثورة الجزائرية وزمن الانحطاط
10-12-2013 08:22 PM
لم اتخيل يوما بانني سألتقي بطلة حرب التحرير الجزائرية المناضلة جميلة بوحيرد كوني لم اع الحياة الا بعد سنوات من انتصار ثورة الجزائر واستقلاله، وقد لعب فلم (جميلة) الذي أخرجه يوسف شاهين وقامت ببطولته ماجده دورا مهما في ايصال مآثر ومآسي الثورة الجزائرية والتي كانت سببا في اشعال حركات التحرر في الوطن العربي والعالم.
في بيروت وبدعوة من قناة الميادين الفضائية شاركت مع وفد اعلامي أردني ووفود عربية في حفل تكريم ايقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد (مواليد 1935) والتي لم نعد نسمع باسمها بعد انتصار ثورتها وخروجها من السجن الفرنسي، حتى ان كثيرين من العرب لم يعرفوا انها على قيد الحياة بعد زواجها من محاميها الفرنسي واعتزالها العمل العام.
طبعا هذا حال الثورات، يقوم بها أشخاص يضحون بأرواحهم ويكتوون بنارها وقد يقطف ثمارها اخرون، وفي الجزائر كتب الطاهر وطار رواية (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) صورت حال الجزائر بعد الاستقلال، يعرض فيها حال قرية جزائرية تسري فيها اشاعة بان شهداء الثورة سيعودون وحالة الارتباك والحزن والفرح التي تسود أهل القرية، كل لاسبابه الخاصة، فمنهم من رحب بالعودة ومنهم من رفضها او تخوف منها لان الحال تغير.
لم يختلف العرب على ثورة الجزائر لانها قامت على فكرة طرد المستعمر الفرنسي الذي جثم على انفاس الجزائريين 132 وفيها حمل الثوار ارواحهم على أكفهم من اجل استقلال بلدهم، واليوم نرى العرب مختلفين على ثورات ربيعهم الذي تحول الى شتاء قارص او "مربعانية" والسبب يعود الى المصالح المختلفة والرؤى والبرامج المتناقضة.
في بيروت ترى المجتمع العربي مصغرا، كل يغني على ليلاه، تسمع بالديمقراطية لكنها في الحقيقة تحولت الى تعايش مع الواقع. فالبرلمان المنتخب معطل والحكومة المكلفة لم تستطع انجاز مهمتها والحكومة المستقيلة تدير البلد منذ مدة طويلة، والمعارك هدأت في طرابلس لكن الهاجس الاكبر في سوريا المجاورة والصحافة التي يقال انها حرة تنقل رأي صاحبها أو ممولها ليس أكثر.
كنت ضيفا على قناة الميادين في برنامج كلمة حرة الذي يديره النائب البريطاني جورج غالوي، وسبقني في الحديث ثلاثة زملاء من الجزائر وتونس ومصر، تحدثوا عن ثورات الربيع العربي في بلادهم. بالقطع لم يكونوا مسرورين او حتى متفائلين، فكان الاجماع على ان الثورة تأكل ابناءها عندما يركبها الغرباء.
وعندما جاء دوري، سالني غالوي: انتم في الاردن لم تحصل عنكم ثورة، لماذا؟ هل انت سعداء بذلك؟ أجبته بدون تردد نعم نحن محظوظون لاننا تعلمنا من تجارب غيرنا. نريد الاصلاح والديمقراطية والعدالة والشفافية والحداثة والمشاركة في صنع القرار، لكننا حتما لا نريد كل هذا اذا جاء بالعنف والسلاح والثورة وخطاب الكراهية والتفرقة.
في أثناء زيارة الوفود الاعلامية الى الجنوب اللبناني كنت أتحدث مع الزميل عبد الباري عطوان عن تجربة الاردن والاوضاع لدينا اليوم، فقال عطوان أمام الزملاء: الأردن غالي علينا، وله فضل علينا جميعا، ولا انسى يوم قدمت اليه لاجئا في عام 1967.
انعشني كلام عطوان وشعرت بالفخر باننا ما زلنا بخير وبلدنا بألف نعمة، فالأردن منذ تأسيس الامارة كان بلدا عروبيا حمل فكرة الثورة العربية الكبرى وضحى من اجلها، واستقبل رجالاتها الاحرار الذين فروا من المستعمر الفرنسي، واستمر الى اليوم يستقبل كل المضطهدين والخائفين، لكنه لم يكن طرفا في صراع بل كان على الدوام (مرسال خير) وينادي بالحل السياسي والحوار والتوافق بين العرب.
للاسف فان فكرة الوحدة العربية تلاشت بعد ان اصبحت الدولة القطرية واقعا لا يمكن تجاوزه، والاسف المضاعف هو أننا اليوم في حالة انحطاط فكري وثقافي سنصحو منه يوما وقد التهم آلاف الضحايا ورمى آلاف المشردين والمصابين وأضاع سنين طوال من اعمار اطفالنا دون فائدة، ليقول التاريخ اننا أخطانا.