كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الغذاء و توفره و تفاقم ذلك مع ارتفاع أسعار الطاقة و التي كانت احد الأسباب الرئيسية التي جعلت الدول المتقدمة اللجوء إلى إنتاج الطاقة من المصادر الحيوية ، حيث استخدموا الزيوت النباتية لإنتاج الديزل الحيوي و العمل يجري حالياً لاستخدام الحبوب و أهمها القمح لإنتاج الطاقة . حدثني جدي رحمه الله يوماً أن سهول الكرك كانت تنتج من القمح ما يكفي احتياجات الأردن ، هذا قبل خمسين عاماً و أكثر و قال أيضاً أن تلك القطعة من ارضه أنتجت عشرة أضعاف ما تنتجه هذه الأيام و قال لي أن هناك سنوات تغل فيها المحاصيل و سنوات يقل فيها الإنتاج إلا أن الأسرة كانت مكتفيه ذاتياً بما تحتاجه من القمح الذي لم يكن يستعمل لإنتاج الخبز فقط بل للبيع وشراء متطلبات المعيشة انذاك بالاضافة الى البرغل ، و الجريش و الفريكه و الشعيرية البلدية و المفتول و غيرها من الأطعمة التي يستخدم القمح في إعدادها . اما انا لا زلت أتذكر خلال السبعينات عندما كنا نغني عندما كنا نحرث أو نحصداو عندما ننقل القمح للبيدر و كم كان ممتعاً اللعب بين بيادر القمح الكبيرة في قريتنا و أتذكر أيضاً تلك المواسم والعونة و الغلة و البركة والصاع و المدّ .
زرعت في الأردن أصناف عديدة من القمح البلدي و سميت بتسميات عديدة نسبة لسهولنا العزيزة منها الصفرا و القطما و أف 8 و الحوراني و ربه وعمون ومشقر و غيرها ، و تتسم هذه الأصناف بالقمح القاسي أو الصلب والذي يتميز بارتفاع نسبة البروتين و نسبة جلوتين مناسبة لإنتاج الخبز البلدي المعروف بأنواعه .
واليوم يعمل الباحثون في وزارة الزراعة و المركز الوطني للبحوث و نقل التكنولوجيا على تربية أصناف جديدة من القمح مثل اكساد و شام و دير علا و أم قيس و حوراني نووي و غيرها . وللاسف ان ما ينتج في الأردن سنوياً من القمح لا يشكل 8% من الاحتياجات السنوية واصبحنا نعتمد على الخارج في تغطيه معظم احتياجاتنا من القمح .
أما الأسباب التي أدت إلى التراجع في إنتاج القمح في وطننا العزيز يعود الى شح المياه وتزايد اعداد السكان والزحف العمراني الذي ادى الى الاستعمال الجائر للاراضي الصالحة للزراعة وسيطرة الدول الكبرى على تحديد مصادر الغذاء وتحجيم الانتاج لهذه المواد الاساسية في دول العالم الثالث ، كما ان ارتفاع كلفة استخدام التكنولوجيا في عمليات الحراثة والحصاد والتي تعتمد على مصادر الوقود الذي ارتفعت اسعاره والتي لا يستطيع المزارع المحلي تحملها . في السنوات الاخيره أصبح الحصول على القمح أمراً صعباً وارتفاع أسعاره عالمياً للأسباب التي ذكرت و كان لتدخل جلالة الملك المعظم حفظه الله و رعاه من خلال زيارته لدول العالم لتغطيه احتياجات الوطن من القمح و آخرها كان من سوريا الشقيقة الدولة العربية الوحيدة المصدرة للقمح .
وبناءً على ما تقدم فانه لابد من اللجوء الى اعداد استراتيجيات وبرامج وخطط قصيرة المدى وبعيدة المدى وتحديد الاولويات لاعادة تأهيل الاراضي لانتاج المحاصيل الحقلية ومنها القمح والاعلاف والتي يمكن القيام بها من خلال الخبراء المحليين في مؤسسات القطاع الزراعي والمؤسسات الاكاديمية من الجامعات والمراكز البحثية والتعاون مع القطاع الخاص .ان انشاء مراكز زراعيه خاصة لإنتاج المحاصيل الزراعية و مزوده بالتكنولوجيا الحديثة لإنتاج المحاصيل حيث تقوم بالعمل على استصلاح الأراضي و التوسع في استغلال الأراضي الغير مملوكة واستئجار الأراضي من المواطنين مقابل مبالغ ماديه تناسب المنطقة وبذلك تعمل على إيجاد فرص عمل للباحثين عن عمل من مهندسين زراعيين و عمالة زراعية ، كما و يمكن استغلال التجنيد الإجباري في زراعة المحاصيل الزراعية من قمح و شعير لتساهم ولو بنسبة بسيطة للتخفيف من مشكله العمالة لتكون معسكرات زراعيه تزود بالتكنولوجيا الحديثة لزراعة القمح والحبوب في المناطق التي تكون معدلات الأمطار فيها مناسبة لزراعة كل القمح و الشعير ويساهم في نجاح ذلك الحصاد المائي من خلال التوسع في بناء السدود الكبيره والترابية لاستغلالها في ري و زراعة المحاصيل و استغلال بعض الأراضي الغورية في زراعة القمح و الشعير . وتقديم الدعم المادي للفلاح الذي يرغب بزراعة اراضيه كتقديم البذار والمكننة الزراعية عند الحراثة والحصاد ومكافحة الامراض . وعلى المستوى العربي لدينا تجارب عديدة لإنشاء مزارع في السودان الشقيق الذي يفتح أبوابه لأشقائه لاستغلال أراضيه و مياهه للزراعة ، و في النهاية إنني متأكد تماماً أنكم جميعاً مشتاقون لرؤية سهولنا تتمايل فيها سنابل القمح الصفراء التي تزيد في أهميتها على الذهب الأصفر .