تتجنب الحكومة الأردنية التصريح عن المشاريع المشتركة مع إسرائيل، لاعتبارات تتعلق بالموقف الشعبي الرافض لأي شكل من أشكال "التطبيع" مع إسرائيل. غير أن الصحافة الإسرائيلية، ومن خلفها الوزراء والمسؤولون هناك، يتكفلون في العادة بكشف المعلومات للرأي العام. وعندما تجد الحكومة الأردنية نفسها مضطرة للرد، فإنها تميل في معظم الحالات إلى النفي. لكن النفي الرسمي لم تثبت صدقيته في أغلب الحالات.
قبل أسبوعين، أصرت الحكومة على نفي التقارير الإسرائيلية عن منطقة اقتصادية مشتركة ينوي الجانبان إقامتها على الحدود، مع أن التفاصيل التي أوردتها الصحافة الإسرائيلية، وقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي، يشيران بما لا يدع مجالا للشك إلى أن هناك خطة فعلية لتدشين مشروع مشترك على جانبي الحدود.
يوم أمس، علمنا من الصحافة الإسرائيلية أيضا أن وزير المياه والري، حازم الناصر، توجه لواشنطن للتوقيع على اتفاقية مد أنبوب بين البحرين الأحمر والميت، مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وسيكون هذا الأنبوب بديلا من مشروع قناة البحرين.
واللافت أن هذه الخطوة تزامنت مع تقدم عدد من النواب بمذكرة لإلغاء قانون معاهدة السلام مع إسرائيل!
المشروع سيُقام بالكامل في الأراضي الأردنية. وسيكون على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني دفع الأموال مقابل الحصول على كميات من المياه المحلاة. لكن إذا ما كتب لهذا "الأنبوب" أن يرى النور، فسيكون أول مشروع مشترك بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وذلك يعني الكثير في وقت تضع فيه الدبلوماسية الأميركية كل ثقلها لإنجاز صفقة سلام تاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
المفاوضات الجارية في هذا الشأن تتركز بشكل كبير اليوم، على الترتيبات الأمنية على الحدود المشتركة بين الأطراف الثلاثة. لا بل إن الحدود وما حولها من أراض، هي نقطة الصراع التي استدعى من أجلها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عشرات الخبراء العسكريين والأمنيين من واشنطن، لوضع تصور شامل يستجيب لمخاوف إسرائيل الأمنية، وطموحات الفلسطينيين بكيان مستقل، يتمتعون فيه بأقصى أشكال السيادة الممكنة.
والظاهر أن صيغة المشاريع المشتركة، كأنبوب البحرين، والمنطقة الاقتصادية المشتركة، والمطار الملاصق للحدود الأردنية قبالة العقبة، وغيرها من المشاريع في المستقبل، كاستيراد الغاز من إسرائيل، سترسم معالم جديدة لعلاقة الأطراف الثلاثة.
كل هذه التطورات تجعل الأردن قريبا، لا بل منخرطا في مجمل الترتيبات المتعلقة بالصفقة التي يسعى كيري إلى إبرامها بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويشمل ذلك، بالطبع، الجوانب الأمنية والعسكرية، خاصة ما يتعلق منها بالحدود، وإشكالية غور الأردن التي يدور حولها جدل كبير.
إن طبيعة المناقشات الدائرة حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، برعاية أميركية حثيثة، تؤكد أن المسائل الجوهرية في الصراع، كقضايا اللاجئين والقدس والحدود، لم تعد أساسية بالفعل؛ إذ تتقدم عليها ملفات أخرى، كالمياه، والترتيبات الأمنية، وحدود السيادة براً وجواً، إضافة إلى المواضيع المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، والتي من دونها لا يمكن قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" على ما يقول الجانب الأميركي دائما.
كثيرون على جانبي الصراع يشككون في إمكانية التوصل لاتفاق تاريخي خلال ما تبقى من مهلة للمفاوضات. ربما يفوز هؤلاء بالمعنى السياسي؛ فكم جولة مفاوضات انتهت إلى الفشل من قبل. لكن المؤكد أن المشاريع المشتركة ستمضي إلى الأمام، كحال "أنبوب البحرين"، وتفرض واقعا لا يمكن تجاهله لزمن طويل.
التعاون الاقتصادي دليل المتصارعين لبلوغ الهدف النهائي. هذه هي مقاربة الإسرائيليين وفهمهم للحل التاريخي في فلسطين. (الغد)