لطالما كانت عبارة "الله يساعدك/ يساعده/ يساعدها/ يساعدنا" تمثل بالنسبة إليّ نوعاً من القدرية المستسلِمة، وتعبيراً عن شفقة مهينة لا تقدّم ولا تؤخر: محض "بيع كلام" واتكالية على حظّ مبهم ينبغي للإنسان أن يخترعه بنفسه بدلاً من أن ينتظره مكتوفاً. أذكر أيضاً أن من الجمل المضيئة التي انحفرت في ذهني من أيام المدرسة عبارة أدولف تيير الشهيرة، المضادة لتلك المذكورة أعلاه: "ساعد نفسك، تساعدك السماء"، والسماء هنا في مفهومي الخاص تعني الكون وطاقته الايجابية. فأنا من اللواتي والذين يؤمنون بقدرة البشر على صوغ حياتهم وفرصهم، إيماناً براغماتياً لا يلغي وجود مصادفات "موضوعية" ورياح مؤاتية تدفع العربة في هذا الاتجاه أو ذاك. أما منطق "الكائن المسيَّر" فلا يشبع عقلي، ولا حاجتي الى الشعور بالمسؤولية حيال ذاتي والآخرين، ولا رغبتي في تحمّل عواقب قراراتي ودفع ثمنها حتى القرش الأخير.
في اختصار وبلا تبجّح: أنا أصنعني. بمليحي وقبيحي. بصعودي ونزولي. بقوتي وضعفي. وأنا في ذلك، مثلي مثل الجميع: لستُ أكثر ولا أقل. ما يسمّى "الظروف" له دوره طبعاً (ولكلٍّ تفسيره لماهية هذه الظروف)، لكنه دور محدود، بل يجب أن يكون محدوداً، أمام الإرادة والكدّ والكفاح والثقة في الذات.
لأجل هذه الأسباب وغيرها أحببتُ حملة منظمة "أبعاد" الأخيرة: "كلمة الله يساعدها... ما بتساعدها" التي تنطلق من أهمية "الفعل" في موازاة "التمني" والتربيت على الظهر والدعاء بطول البال. "بلّغ"، تقول الحملة أيضاً.
أجل: بلّغ. بلغّي. إفضح. إفضحي. ساعد. ساعدي. هنا يطيب لي أن أضيف: ساعدي نفسكِ في الدرجة الأولى. صمتكِ هو عدوّك الأول، عدوّك الأقوى من الضربات والصفعات التي تتلقينها. عدوّك الأشرس من القمع والظلم الإهانات التي تعانينها. ينصحونك بـ"السترة". لا. لا تتستّري عليهم، فما يحصل يعيبهم هم، لا يعيبك أنتِ. يطلبون منك أن تصبري "كرمال الولاد". لا تصبري تحديداً من أجل أولادك. فالأذى الذي يلحق بهم جراء كونهم شهود زور قسراً على الأذى الذي يلحق بكِ هو الضرر الأكبر. يقولون لك إن هذا "طبيعي" وإنه سيندم. لا، هذا ليس طبيعياً ولا مقبولاً، وعليك أنتِ أن تجعليه يندم. بل أن تجبريه على الندم.
شكراً لـ"أبعاد" على المجهود الرائع الذي تقوم به في مجال التوعية والدعم. شكراً أيضاً لجميع المنظمات الأخرى، وفي مقدمها "كفى"، التي تناضل في سبيل مجتمع أكثر كرامةً وإنسانية، لا للمرأة فحسب، بل لكل مواطن لبناني يتوق الى أن يفتخر بانتمائه الى هذا البلد.
(النهار اللبنانية)