ركبّناها ورانا مدت أيدها على الخرج
فايز الفايز
03-02-2008 02:00 AM
في إحدى حلقات المسلسل الكارتوني " سندباد " أيام زمان ، كان سندباد الصغير النشيط والذكي يمشي هائما على وجه ، يبحث عن مأوى يؤويه ، وعن طعام يقيم به أوده ، وعن نبع ماء يروي منه ضمئه ، وبينما هو في عجلة من أمره ، وإذ بذلك الرجل العجوز يظهر فجأة أمامه ، وهو متكئ على صخرة ، فما كان من سندباد الشهم الأبيّ إلا ان عرّج عليه ورمى عليه السلام " وهنأ " نفسه بأن من الله عليه بهذا الشيخ الذي سيؤنس وحدته ، ويعينه في رحلته ، وبعد هات وهيت. قال الشيخ لسندباد : يا ولدي أما وقد بعثك الله لي ، فأني سوف أعطيك كنزا لم يره أحد ، وستتبدل حياتك ، ويسعد حالك ، وستكون " مواطنا " من الدرجة الأولى ، ولن تحتاج الى التغريب ، ولا التهريب ، ولا الهرب ، ففرح سندباد كثيرا ، وقال للشيخ أعانني الله لكي أوفي لك جزء من عطاءك ، وكرمك علي ، والآن هيا بنا يا عم ، نكمل السير .. وعندها تململ الشيخ ، وقال لسندباد : يا بني .. كما ترى فأنا عجوز و تنوء قدمي عن حملي ، فهلا أركبتني على ظهرك ، حتى نبلغ الواحة القريبة جدا ، فنتفيأ ظلالها ونشرب من ماءها ، وتكسب " الذهب " .. فانتصبت قامة الشهامة والمروءة والبطولة والوفاء وبعض الخجل عند سندباد ، وقال للشيخ : هيا يا عم أمتطي ظهري ، وفجأة قفز الشيخ الى ظهر المواطن سندباد وهو يقول " هيلا هوب " ، هيا ، هيا يا سندباد ، حث الخطى قبل ان يدركنا الليل .
وأصبح المواطن سندباد يجوب الفيافي والقفار ، بحثا عن " وعد الشيخ " ، وهو يئن تحت ذلك الحمل الثقيل الذي حمله مكرها ، وتقبله طامعا ، وشيئا فشيئا أصبح سندباد يرمي ماعليه من "زوادة وجعبة وعمّه " ولم يبق على جسده سوى " البوكسر " ليستر عورته ، على أمل ان ينزل هذا الشيخ عن ظهره ، أو يصلا الى الواحة ، ولكن دون فائدة .
ومرت الأيام تلو الأيام ، وسندباد يدور في صحراء أيامه ، والشيخ ممتطيا ظهر سندباد ، الذي قتله الجوع ، والتعب ، والخوف من خواء كهوف أيامه ، والشيخ المبجل يرفض ان ينزل عن ظهر المواطن سندباد ، لأن بينهما اتفاق " جنتلمان " .. وبعدما وصل سندباد الى حافة الموت ، ظهرت أمامهم قافلة ، فصاح الشيخ ، يا بشرى هذه قافلة .. فلوح لها الشيخ العجوز ، وهمز ظهر سندباد ، فطار صاحبنا من الفرح ، ونسي تعبه ، وهمه ومستقبله وأصبح يجري أسرع من الحصان حتى وصلا الى " قافلة التجار " ، فترجل الشيخ عن " مطيته " .. وترك المطية مستلقيا على ظهره لا يقوى على النهوض ، ولا يعلم "بالمباحثات الاقتصادية " بين شيخه وقافلة التجار الغرباء .. وبعد سويعة نادى الشيخ على سندباد ، وقال له أبشر هذه راحلة وذلك سروال وقميص و جبة وعمه " شغل المشيخة " ، وستكون واحدا من ألمع الشخصيات في هذا الكون فأنت أصبحت منذ اللحظة رفيقا لشهبندر التجار ، فأعمى الفرح عيني وقلب سندباد ، وامتطى الراحلة ، وغادر في القافلة ، ونام على ظهر ناقته من التعب ، ولم يستيقظ إلا حينما وقف القوم للاستراحة ، فنزل سندباد متمخترا بين " التجار " وقبل ان يتذكر شيخه الذي أدار حياته أياما بطاعة منه ، تفاجأ بشهبندر التجار وهو يصرخ مناديا :
أين سندباد ؟ أين عبدي الجديد ؟ أين الفتى الطائع ، والكنز الضائع ؟ !
حينها ذهبت السكرة وجاءت الفكرة .. وسأل سندباد الشهبندر : ماذا قلت ؟ من أنت ؟ بل من أنا ؟ وأين الشيخ ؟
فقال الشهبندر : أنا سيدك .. وأنت عبدي .. وشيخك باعك لي مقابل ناقتين بحملهما ! فصرخ سندباد يا لمصيبتي يالهول ما جرى لي .. هيه انت .. هل تعلم من أنا ؟ انا سندباد .. في مدينتي أنا سيد من الأسياد .. عشيرتي .. قبيلتي .. قريتي .. حزبي .. مكتبي .. سيارة المرسيدس القابعة بانتظاري .. أنا .. أنا ! فقاطعه الغريب :
يا أبني : هذا كان زمان ، أما اليوم فأنت بضاعة في صندوق العجب الدولي .
.. إنتهت حكاية سندباد ، واعتقد ان حكايتنا اليوم بدأت ولن تنتهي .. بعد خصخصة القطاع العام ، ومصمصة نخاع العظام ، وتحول قصور أحلام فقراء البلد الى ركام ، ماذا بقي للحكومات كي تحكم ؟ كتل بشرية تعودت النواح ، والتظاهر والصياح ؟!!
في كل العالم المتمدن ، التي تقودها حكومات وطنية ، ترابط وتنافح وتكدح في سبيل وطنها ـ وبلدنا منها ـ تعمل الحكومة قدر الإمكان لدرء الخطر الإقتصادي والاجتماعي عن مواطنيها ، وتبحث بين أمواج المحيطات المتلاطمة لتوفر سمكة سمينة لمواطنها ، ما دامت لا تستطيع ان تعلمه الصيد ، فما الذي يحدث عندنا ؟ هل هو امتحان قدرة تحمل ، واستكشاف طاقة المواطن ومدى صبره ؟ أم إن الحكاية لا تعدو عن جواب مسؤول الوظيفة في القطاع الخاص ومفادها " اللي عاجبو عاجبو .. واللي مو عاجبو الباب يفوت جمل " ؟ !
لن أزيد .. أعتقد ان في الإزادة تنفلت الأمور .. شكرا لكم .
royal430@hotmail.com