انضم الملك عبدالله الثاني إلى عالم المغرّدين على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مؤخرا، كحال زعماء كثر في العالم.
لم ينشئ حسابا شخصيا باسمه مثل الملكة رانيا التي تحتل مرتبة متقدمة بعدد المتابعين على "تويتر"، بل اعتمد على الموقع الخاص بالديوان الملكي، والذي يتولى نشر التصريحات الملكية، والأخبار الخاصة بنشاطات الملك. وبين حين وآخر تظهر على الموقع تغريدات شخصية باسم الملك، كان آخرها تعليق على حصول الأردن على مقعد غير دائم في مجلس الأمن.
موقع الديوان الملكي على "تويتر" صار مصدرا رئيساً من مصادر الأخبار بالنسبة لوسائل الإعلام في الأردن؛ فبالإضافة إلى الأخبار العاجلة التي ينقلها، يعرض الموقع نهاية كل أسبوع تقريرا مصورا ورشيقاً يوجز نشاطات الملك. وفي اعتقادي أن التقرير هذا يُغني كثيرا عن المطولات التلفزيونية والتغطيات الصحفية المتخمة بالتفاصيل الثانوية التي لا تعني القارئ في شيء.
لم أسأل القائمين على موقع الديوان الملكي عن السبب الذي يحول دون إنشاء حساب شخصي للملك على "تويتر". لكن الحذر من هكذا خطوة، ربما يعود إلى مكانة الملك في النظام السياسي الأردني، التي تختلف عن الأنظمة غير الملكية في العالم. فالملك يمارس سلطاته الدستورية عبر حكومته "السلطة التنفيذية"، التي بيدها اتخاذ القرارات وتنفيذها. مثل هذا الدور يقيد الملك كثيرا، ويجعل من الصعب عليه أن يدلي بتعليقات شخصية، قد تُفسر أحيانا بطريقة خاطئة وتُربك عمل مؤسسات الدولة.
لكن هذا البعد، على أهميته، ينبغي أن لا يكون عائقا أمام ممارسة الملك حقه في التعبير عن نفسه، والتواصل مع جمهور عريض لا يجد وسيلة لإيصال رأيه أو مظلمته لصاحب القرار الأول.
والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي يوفر، في المقابل، لصاحب القرار الفرصة للتعرف مباشرة على آراء المواطنين في شتى القضايا، وعلى مزاج الرأي العام حيال الدولة وسياساتها، من دون وسطاء أو مستشارين يلعبون، في العادة، دور الحارس الذي يتحكم بنوعية المعلومات التي تحط على مكتب الحاكم.
يقال دائما في الأردن إن الملك للجميع. وهذا قول صحيح، تردده المعارضة قبل الحكومات، وينسجم مع روح الدستور الأردني. فما الذي يمنع من أن يتواصل الملك مع الجميع إلكترونيا، وأن تُترك له، كملك وإنسان، مساحة لقول رأيه الشخصي في الشأن العام، كما فعل من قبل في الأوراق النقاشية التي طرحها للرأي العام باعتبارها وجهة نظر فيما يرغب أن يكون عليه الأردن في المستقبل؟
ثمة أمور كثيرة غير تلك التي تعتني بها الحكومات وتتخذ بشأنها القرارات، يمكن للملك أن يدلي برأيه فيها؛ قضايا إنسانية ملحة، ومناسبات وطنية. وأن يُسهم أيضا في نقاشات تدور حول مسائل عامة، كالتعليم والصحة والعمل الاجتماعي والخيري، وأحيانا التضامن مع مواطنين يتعرضون لظروف صعبة جراء كوارث طبيعية أو جوية.
مواقع التواصل الاجتماعي، و"تويتر" على وجه التحديد، أصبح من أهم وسائل التواصل بين القادة وشعوبهم، وأداة من أدوات بناء جسور العلاقة والثقة. لقد كان الوسيلة التي منحت الرئيس الأميركي باراك أوباما ثقة ملايين الناخبين في ولايته الأولى والثانية.
لا شك في أن موقع الديوان الملكي على "تويتر" يؤدي وظيفته المطلوبة. لكنه يظل موقعا رسميا، لا يُغني عن موقع شخصي رديف للملك، يعبر من خلاله عن آرائه الشخصية، ويتواصل مع جمهور عريض يُقدّر كثيرا هذا النوع من التواصل.
الملك في النهاية مواطن أردني، وهو يفتخر بذلك كما قال في خطابه الشهير العام الماضي؛ ويملك، مثل سائر المواطنين، الحق في التعبير عن رأيه، حتى لو لم يعجب الحكومة.
(الغد)