ثلاث صور ينبغي التوقف عندها لقراءة المعنى الدولي والعربي والمحلي لفوز الاردن بعضوية مجلس الامن للسنتين القادمتين , ليس بوصفه مكافأة كونية على حسن سلوك السياسة الاردنية ورجاحة عقلها , بقدر ما هي حاجة موضوعية للاردن ولمحيطه العربي , بعد ان طغت سياسة القرفصاء على معظم اقطار الوطن العربي , فلا يوجد هناك من يجلس مستريحا على مقعده الرسمي في الاقليم , بنفس مساحة الراحة الاردنية التي اثمرت سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للاقطار العربية عن مساحة رضا عربية حيال دخولها مجلس الامن بتوافق عربي , حتى من الاقطار التي تُماحك الاردن او تسعى الى مماحكته والتحرش بها سياسيا وحراكيا.
كما اثمرت سياسة كراهية العنف والدم في سلوك وتاريخ الدولة عن توفير رصيد شعبي للدولة ولقيادتها التي حظيت بأكبر مساحة للخصوم واقل مساحة للجانب الشخصي , فلا معارضة في الخارج ولا سحل ومفقودين في الداخل , بل باتت المعارضة طريقا سهلا لتولي المناصب في الدولة الاردنية , ويسجل التاريخ السياسي ان القيادة الهاشمية قد نأت بنفسها عن الثأرية الشخصية حتى لمن اساء شخصيا لها , وهذا منح الاردن رفاها في مرحلة الربيع العربي التي كانت وبالا على انظمة كثيرة .
الصورة الاولى : صورة مباركة المندوب السوري للاردن عبر وفده الرسمي , وهي رسالة لكل من يروّج ان ثمة صفقة ضد سوريا من وراء المنصب , وكانت التقاطة المندوب السوري ذكية وفاضحة لكل اصحاب الاراء المشوشة او المتشككة من فوز الاردن ومن الصفقة التي اوصلته الى المقعد , فما زال هناك من يرى ان اي فوز للاردن هو عبارة عن صفقة مسنودة بحُسن سلوك الاردن السياسي مع الغرب لا اكثر , وليس تعبيرا عن دعم كوني لدولة نجحت رغم شُحّ امكاناتها وضعف مواردها وغضب الجيرة المُحيط بها من النجاة من العنف والارهاب والتطرف بفضل الحس الوطني الجمعي للشعب الاردني وقيادته .
الصورة الثانية حجم الاصوات التي حصل عليها الاردن وهي كبيرة بصرف النظر عن غياب المنافسة فثمة اجماع كوني على ان النموذج الاردني هو النموذج المطلوب في الاقليم المُشتعل , طائفيا واثنيا واقليميا , وهذا النموذج لم يتأتى صدفة او دون وعي عميق لضرورة احترام التنوع والعدد في الجغرافيا الصعبة والصغيرة , فالاردن على مساحته الصغيرة كبير بمكوناته بل هو حاضن لكل المكونات الطائفية والديمغرافية والاثنية ومع ذلك هو حالة جميلة من السلم الاهلي والتماسك المُجتمعي على مستوى القاعدة رغم تشظّي النخبة السياسية .
الصورة الثالثة تجلت في الموقف العربي الموحد خلف وصول الاردن لهذا المقعد دون مماحكة او تحرش , كما سبق مع دول عربية , فالجميع كان على ثقة بأن الاردن قادر على لعب دور محوري في مجلس الامن لصالح الاقليم المشتعل بوصفه الاكثر قُربا من نقاط الاشتعال “ فلسطين , سوريا , العراق وحتى مصر “ فهو نهاية الاقليم النفطي وبداية الاقنيم البشري , ولا يعرف الشوق الا من يكابده , والاردن كابد طويلا من اشتعالات الاقليم ان كان على صعيد هجرات اللجوء او على صعيد احتمال تداعيات الحروب الاقليمية ونتائجها الاقتصادية والاجتماعية على كل مكوناته .
وصول الاردن الى عضوية مجلس الامن في فترة عصيبة تتطلب تطويرا في السياسة الخارجية في الادوات وفي طبيعة الحركة العمودية والافقية , وتتطلب تفعيل مساحات التلاقي العربي وتقليل الفوارق بعدم الانحياز الى مكونات سياسية في الاقليم بقدر انحيازه الى الدولة الوطنية العربية وتماسكها وتفعيل ادوات الحل العربي العربي للمشاكل العربية واستعادة الدولة العربية دورها في الاقليم الذي بدأ ينحسر في تأييد محور ايران او تركيا او اسرائيل دون وجود فعلي لدور عربي او محور عربي خالص مع الحفاظ على علاقة وطيدة مع محوري ايران وتركيا بتشكيل محور مواز .
فوز الاردن ثمرة لجهد سياسي طويل ولسلوك انساني عميق ويجب ان ينعكس لصالح الاردن وعمقه العربي , فهو انجاز لوطن صغير بحجمه كبير بأهله .
(الدستور)