سرقة المال العام في بلدنا تأخذ صورًا متعددة؛ منها: التهرب الضريبي الذي يأخذ أشكالاً مختلفة أبسطها التلاعب بدفاتر الحسابات وإخفاء نسبة الدخل والأرباح الحقيقية من قبل الشركات، والمتاجر، والمقاهي، والمطاعم المرخصة.
غير ان هناك ما هو أبشع من هذا النوع من أنواع وطرق سرقة المال العام.. أعني به أسواق الظل، التي تعمل بدون ترخيص، وبدون سجلات، وبدون أدنى رقابة مع ما تمثله هذه الأسواق من خطر على الاقتصاد الوطني، وعلى السلامة العامة، وصحة المواطن، لأن القائمين على هذه الأسواق يعملون «من منازلهم»، وفي كل المجالات، وأولها وأهمها الغذاء.. فكثيرون هم أولئك الذين حولوا بيوتهم إلى مصانع للأغذية من مخللات ومربيات وأجبان وألبان..الخ.
وهناك من حولوا بيوتهم إلى مطاعم تبيع كل أنواع المأكولات، من الكبة، والششبرك إلى المنسف، مرورًا بكل أصناف الأطعمة الشرقية والغربية، ونحن هناك لا نتساءل عن حق أصحاب مصانع الأغذية المرخصة، ولا أصحاب المطاعم المرخصة بالحماية، ولكننا نتساءل عن حق المواطن بحماية حياته.
فمن يضمن نوعية المواد المستخدمة في إعداد هذه الأغذية والأطعمة؟ وأين هي الرقابة الصحية عليها؟ علماً بأن الكثير من أصحاب هذه البيوت لم يعودوا يتورعون عن الإعلان بشتى صور الإعلان عن نشاطهم غير المرخص.
فأين دوائر ترخيص المهن في أمانة عمان، وفي سائر بلديات المملكة؟ وأين هي وزارة الصناعة والتجارة؟ وأين هي وزارة الصحة بين هذه المخالفة الصريحة للقوانين والأنظمة، وهذا التهديد الواضح لحياة المواطن في غذائه، خاصة، وان الكثير من المواطنين قد يضطرون للتعامل مع هذه الجهات نظرًا لرخص أسعارها نسبياً عن أسعار المطاعم المرخصة؟.
غير سوق الغذاء والطعام الموازية، والمخالفة للقانون، هناك سوق ظل غير شرعية للسياحة، فكثيرات وكثيرون أولئك الذين صاروا ينظمون الرحلات السياحية داخل وخارج الأردن دون ان يكون لديهم ترخيص رسمي من الجهات المختصة، وكثيرون هم أولئك الذين واللواتي ينظمون العديد من الأنشطة السياحية المختلفة ذات الطبيعة الترفيهية، كالولائم والحفلات الفنية، دون ان يكون لديهم ترخيص، وبالتالي دون ان تتوفر الحماية للمواطن من النصب والاحتيال، مما يستدعي تدخلاً سريعًا لوزارة السياحة، حماية للدخل السياحي في بلدنا، وحماية للسياحة من العبث.
فلا أحد يدري مدى صحة المعلومات التي يقدمها هؤلاء عن المواقع السياحية في بلدنا، ولا أحد يدري عن نسبة البراءة في الأنشطة الترفيهية التي ينظمونها، فضلاً عما يشكله هذا النشاط غير الشرعي من اعتداء على المؤسسات السياحية المرخصة، حيث صار هذا النشاط اللاشرعي يغتصب جزءًا من أرباح المؤسسات السياحية المرخصة.
وما دمنا نتحدث عن سوق الظل في قطاع السياحة، لا يفوتنا التحدث عن الشقق المفروشة غير المرخصة. فقد صار من المألوف في بلدنا ان يلجأ البعض إلى تأجير شقة مفروشة في عمارة سكنية دون ان يحصل على ترخيص الجهات المعنية، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على المنظومة الأخلاقية والقيمية، ومما قد يكون خطرًا حقيقيًا على الأمن العام فمن يدري من هو هذا الذي يستأجر هذه الشقق ولأي شيء يستخدمها؟ وهل هناك ما يحول دون استخدامها كمستودعات ومخازن لمواد مشبوهة وغير قانونية؟ مع ما يشكله هذا النشاط اللاشرعي من اعتداء على أصحاب الشقق المفروشة المرخصة قانونيًا، وعلى حقهم في الربح المشروع.
كثيرة هي الصور التي تأخذها سوق الظل، غير أن من أكثرها شيوعًا تجارة الشنطة التي توسعت لتشمل كل شيء، ابتداءً من الملابس وأدوات الزينة والمكياج، وصولاً إلى الإلكترونيات، مرورًا بالتوابل والبهارات والمكسرات، و، و، و،... عدا عن الدخان وغير الدخان مما صار محل نشاط تجار الشنطة من الجنسين، وكل هذه الأنشطة فوق انها تشكل اعتداء على أصحاب الأنشطة المشروعة والمرخصة، وتسرق جزءًا من حقهم بالربح، فإنها تشكل سرقة للمال العام من خلال عدم دفع رسوم الترخيص، ومن خلال التهرب من الجمارك ومن ضريبتي الدخل والمبيعات، وخلاف ذلك من مخاطر أهمها: تهديد الاقتصاد الوطني بالمزيد من الانهيارات.. فكثيرة هي الاقتصاديات التي هدمتها الأنشطة غير الشرعية. فهل نحن بحاجة إلى المزيد من المخاطر التي تهدد اقتصادنا؟ أم بحاجة إلى بعض الحزم والى الكثير من تطبيق القانون لحماية المال العام من صور الاعتداء عليه؟.
(الرأي)