كانت لحظة تاريخية في طفولتنا البريئة عندما نجحت محاولاتنا في زراعة العدس فما ان شرحت لنا " المس " بدرس العلوم في المرحلة الإبتدائية عن كيفية زراعة العدس ، بدأ الجميع " الشاطرين " و " النايمين " بإحضار الصحون المزهوة بالقطن الأبيض لنزرع العدس ، وضعناها على شبابيك الصف نتابعها في كل يوم ومع كل إشراقة شمس لنرى أين وصل منتوجنا الزراعي الإشتراكي الأول في زراعة العدس ، بعد أيام رأينا العدس ينبت ورقا أخضرا جميلا ، يا إلهي ما أجملها من لحظة شعرنا فيها قمة الإنجاز ، والأجمل من ذلك اننا كنا في صباح كل يوم نصرخ فرحة في وجه " مستنا " حينما تدخل الصف قائلين بفرح لها " يا مس طلع العدس " ..!!!
زراعة العدس التي تعلمناها في الصف بالنسبة لي أستنتجت منها عندما داهمنا الكبر ان أي فكرة سامية هي كالبذرة تحتاج لبيئة نظيفة ونقية كالقطن الأبيض الذي كنا نستخدمه كأرضية في زراعة العدس وتحتاج لمعلمين مخلصين تماما " كمستنا " التي علمتنا كيف نحول من القطن الذي نستخدمه في إسعاف الجروح ومسح الدماء إلى قطن ابيض مكسو بخضار جميل ...!!!
لا شك بانه لدينا العديد من المعاهد والمراكز البحثية والجامعات في وطننا الغالي ويتخرج منها في كل عام الآلاف من الخريجين والخريجات ولكن هيهات هيهات أن تجد من يرعى النوابغ والمبدعين منهم ليغرس لنا بذرة من تلك البذور التي تختزن في مستودع أفكارهم ليغرسها في أرض الأردن الواسع بكافة المجالات فالبطالة حتما ستكون لهم بالمرصاد وستحرق بذور الإبداع المختزنة في فؤادهم ، والأدهى من ذلك والأمر إنه حتى النوابغ والمبدعين العاملين منهم في قطاعات الحكومة المختلفة سيحاربون كما جرت العادة من أول فكرة فيها إبداعا تخرج منهم للعلن ويحلمون في تبنيها وتنفيذها على أرض الواقع من قبل مسؤول يخشى منها ان تكون مصدرا لسرقة الأضواء المسلطة عليه كزعيم أوحد لمؤسسة يتعشش فيها وكر البيروقراطية و " البريستيج الفاضي " لسعادته أو عطوفته أو معاليه وتكون بالنسبة إليه أيضا نواة لثمرة موظف مبدع جديد سيهدد مستقبله الوظيفي المأزووم ليأتي الرد المعتاد منه على هؤلاء المبدعين وبكل إستهزاء " فكونا من هذا التفكير المجنون " ...!!!!
حري بنا وحتى لا يستمر حرق بذورنا المنتشرة هنا وهناك والمختزنة في مستودعات عقول أبناءنا النابغين وفي ظل الحديث المتداول هذه الأيام عن تطوير الآداء الحكومي والرقي فيه إلى أعلى المستويات حبذا لو كان هنالك مجلسا عاليا مكونا من أصحاب الخبرة والإختصاص والكفاءات في كافة المجالات الصحية والاجتماعية والعلمية والبيئة والإقتصادية والرياضية ترعاه الحكومة ليقدم كل من لديه مشروعا تنمويا رائدا يسهم في رفد حياتنا العامة بالتقدم والإنجاز وليجد من الحكومة كل الدعم في تطبيقه على أرض الواقع فلقد سئمنا الوصفات الخارجية التي تأتينا من "الخواجات" ...فأبناء الأردن المخلصين أدرى منهم في الأرض وشعابها بل وادرى كيف يزرعون العدس ولكن أمنحوهم قطنا أبيض ليغرسون أفكارهم فإن قمنا في ذلك سيأتي يوما نصرخ فيه فرحين يا وطنا " طلع العدس " .