الأردن فـي عـيـن العـالــم
محمد حسن التل
07-12-2013 03:33 AM
أمس كنا جميعاً كأردنيين محط أنظار العالم السياسي، حين كان مجلس الأمن يصوّت على عضوية الأردن بأن يكون عضوا فيه ممثلاً لدول آسيا والمحيط الهادي.
بالتأكيد أن هذا الحدث لم يأت من فراغ، فهو تتويج لعمل طويل وجهد متراكم للدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك عبدالله الثاني على مدار خمسة عشر عاماً على الساحة الدولية، حتى اكتسبت المملكة مصداقية عالية في مختلف المحافل الدولية.
كان الأردن خلال السنوات الطويلة الماضية يمثل صوت العقل في القضايا العربية والعالمية، منادياً بتقديم الحوار في كل القضايا التي تواجه شعوب العالم، وفي مقدمتها بالطبع قضايا أمته العربية والإسلامية.
إن الأردن يدرك تماماً أن هذه المهمة ليست تشريفا بمقدار ما هي تكليف، ودون أدنى شك سيسخّر كل قدراته الدبلوماسية ليكون نصيراً لكل الشعوب التي يمثلها في مجلس إدارة العالم «مجلس الأمن»، لذلك حالة الاستنفار التي شاهدناها خلال الأيام الماضية على مستوى الخارجية الأردنية بدءاً من وزير الخارجية ناصر جودة والأمير زيد بن رعد مندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة، مروراً بكل الطواقم وفي مقدمتها البعثة الأردنية في نيويورك، تشير إلى أن الأردن لن يكون عضو شرف بل سيكون عضواً فاعلاً ومؤثراً في القرارات الدولية.
حصول الأردن على عضوية مجلس الأمن يعدّ إنجازاً دلالته تذهب أبعد من الحصول على مجرد المقعد فقط، فهو شهادة جديدة -كما أشرنا- لنجاحات سياسة الأردن الخارجية على المستوى العربي وفي النطاق الدولي برؤية أكسبته التوازن والقدرة والمرونة بمواكبة المتغيرات العالمية على نحو مكّنه من الاحتفاظ بالثبات أمام عواصف التحوّلات التي شهدها-ولا يزال- الوضع الدولي خلال السنوات المنصرمة من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين..
عضوية الأردن في مجلس الأمن ليست جديدة، وأمس عادت المملكة الى مقعدها غير الدائم في المجلس للمرة الثالثة في تاريخ الدولة الأردنية.
ومقعد الأردن في مجلس الأمن يعد استثماراً استراتيجياً ستنعكس نتائجه إيجابياً على المديين المتوسط والبعيد.. ذلك أن حضور الأردن في المنظمة الدولية يعزز ويخدم الأمن والاستقرار الدوليين بأبعادهما السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال سياساته المتوازنة الداعمة لإيجاد مناخات ملائمة تساعد بحل مشاكل المنطقة والإقليم.
إن تواجد الأردن في مجلس الأمن الدولي له دلالات كثيرة، فهو اعتراف عالمي جديد بدور ومكانة الأردن وسياساته على المستويين الإقليمي والدولي، ويجسد مدى نجاح الدبلوماسية الأردنية المتّسمة بالحكمة والتوازن.
ومن خلال مواقفه التي سيعبر عنها في أرفع منبر دولي ستتشكل بالنتيجة قوة دفع إضافية تحمل في طيّاتها بعداً إيجابياً مرتبطاً بنطاق أوسع لمناقشة قضايا المنطقة، ما يمكن الأردن من القيام بدور نشط وفعّال لصالح الأمن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة برؤى واعية وحكيمة.
إن تواجد الأردن في مجلس الأمن يعني أيضاً تعزيز مكانة ودور الأردن على الساحتين الإقليمية والدولية لصالح خدمة قضايا المنطقة في الحاضر والمستقبل، كذلك يسهم بصورة مؤثرة لصالح قضايا أمته العربية والإسلامية مستفيداً مما يحظى به من مكانة واحترام وتقدير دولي كبير.
وتصويت العالم للأردن يثبت بوضوح التجسيد العملي لكل ذلك، وإدراكه للدور الفاعل للأردن وإسهاماته بتعزيز الجهود الدولية الجادة الرامية إلى احتواء التداعيات السلبية للأحداث الإقليمية والعربية، وما ينتج عن ذلك من تحديات ومخاطر على السلم والاستقرار العالميين.
كما أنه يعبر بوضوح عن المكانة والاحترام والتقدير العربي والإقليمي والدولي للأردن بنهجه الديمقراطي، والتوجهات الحكيمة لسياسته الخارجية المتوازنة والمستوعبة لمعطيات المتغيرات بمتطلباتها الراهنة واستحقاقاتها المستقبلية.. منطلقة بذلك من نظرة عميقة ورؤية استشرافية لمجريات التحولات في سياقاتها الدولية والإقليمية وتأثيراتها على مسارات الأمن والاستقرار والتنمية.
يعود الأردن إلى مقعده غير الدائم في مجلس الأمن ليكون الصوت الحكيم الذي سيخاطب ضمير العالم من أجل تشكيل مستقبل جديد يتم فيه احترام الاختلافات في إطار الرؤية التي تتمثل بأن جميع أعضاء المنظومة الدولية شركاء في الإنسانية وشركاء بمواجهة الأزمات الدولية المتعددة التي لا يمكن معالجتها بفاعلية دون عمل دولي منسّق وفي مقدمة ذلك عملية السلام في الشرق الأوسط.
كما أنه يقدم رسالة واضحة وواقعية للمجتمع الدولي تضعه أمام مسؤولياته في مواجهة أزمات المنطقة بوجه عام والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، بتفعيل الموقف الدولي تجاه تحقيق السلام على أساس الحقوق العربية والفلسطينية، لأن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق إلا بتلك الحقوق، والحل لا يمكن فرضه بقوة طرف.
بالمحصلة، كان الأردن أمس في عين العالم احتراماً وتقديراً، وهذا يرتّب علينا جميعاً مسؤولية كبيرة إزاء هذا التكريم -الذي كما قلنا منذ البداية- إنه تكليف أكثر من كونه تشريفا، نلناه بجهد القيادة ومصداقيتها على مستوى العالم.
(الدستور)