يجب أن تكون مفهومة تماماً الآن هذه الكراهية التي تُكنها قوى ونخب وشخصيات عربية، من خارج السلطة خصوصاً، للإخوان المسلمين؛ حد تأييد استئصالهم مهما غلا الثمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. لكن مبرر ذلك ليس أبداً ما يقال بأن الإسلاميين عموماً، وفي مقدمتهم "الإخوان"، متشددون، إرهابيون، سلطويون، فاشلون. السبب الفعلي والرئيس لهذه الكراهية، وكما تؤكد الوقائع على الأرض، هو حقيقة أن "الإخوان"، ومع كل تلك الأوصاف، اتفقنا معها أم اختلفنا، ما يزالون حتى بغيابهم أو تغييبهم مصدر إحراج وأكثر لأولئك الخصوم والأعداء "المستنيرين".
فبعد فشل "الإخوان" المتفق عليه في حكم مصر، والذي نتج عن أو تضافر مع محاولات للاستئثار بالسلطة التي صنعتها "ثورة يناير" (2011) الشعبية؛ كان يُفترض أن تتراجع شعبية الإسلاميين عموماً، وكذا قوة حضورهم في المشهد السياسي، لا في مصر فحسب، بل وفي أغلب الدول العربية إن لم يكن جميعها.
ومثل هذا الافتراض، بل وحتى الحقيقة النهائية لدى كثيرين، كان يفترض به أيضاً أن يشكل، بداهة، فرصة غير مسبوقة منذ عقود طويلة للقوى الأخرى، على اختلاف مشاربها وتلاوينها، لتقديم خطابها الذي يفترض أنه تنويري، بديلاً من خطاب الإسلاميين الذي يوصف بالظلامي والرجعي، والفاقد لكل بريق بالممارسة الفعلية.
طبعاً، وكما تُثبت الحقائق منذ عزل الرئيس محمد مرسي، فإن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بأي شكل أو درجة كانت؛ بل العكس تماماً هو الصحيح. فشل الإسلاميين/ الإخوان صار محض ذريعة للعودة إلى سياسات القمع التي بدأت حتماً بالإخوان، لكنها تتجاوزهم الآن بسرعة مذهلة لتضم كل الشخصيات والقوى الديمقراطية الحقيقية في مصر. وهي السياسات التي تصل الآن مستوى يفترض أن يكون مخجلاً؛ لاسيما منذ إقرار قانون التظاهر الأخير، ولاحقاً الاستفتاء على الدستور وما يعقبه من اعتراضات. فأين ذهب الخطاب التنويري البديل؟ بالنسبة لكثير من القوى والأحزاب المصرية، أيا كانت اليافطة التي تعلقها، فإن المستقبل ليس إلا نسخة عن الماضي؛ استبداداً، وفساداً، وتالياً مزيداً من التخلف والتبعية وإن اختلف المتبوع.
تلك الصورة تبدو وردية تماماً إزاء موقف هؤلاء ذاتهم من الدمار والقتل في سورية؛ ولا يزيد موقف أمين عام حزب الله حسن نصرالله عن موقف أصغر مؤيدي نظام بشار الأسد. فما يقال إنها انتصارات لهذا النظام، لا يدفع ثمنها اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع آلاف المدنيين السوريين، إلا أشد الحريصين على سورية الدولة من رموز معارضة الداخل. هؤلاء يُخطفون ويُعتقلون إن لم يُقتلوا من قبل النظام، وبعضهم من "الرفاق"، بلا أدنى كلمة اعتراض من أنصار "الحوار!"، إن لم يكن بمباركة وتبرير. لكن ليس ثمة ما هو معيب؛ فمرة أخرى، المستقبل لدى هؤلاء ليس إلا العودة إلى الماضي، ولو لم يبق من هذا الماضي إلا القتل والتدمير والإرهاب.
بعد سقوط كل ذرائع المقاومة والتحرير والتنمية، كما فزاعة الإسلاميين، كيف يمكن تبرير الحرص الشديد لدى قوى تدعي التقدمية والليبرالية على إعادة إحياء الاستبداد والفساد.. ومن ثم الدمار؟ "آخر موضة" في سوق الذرائع، أن الشعوب ليست مستعدة لفوضى الديمقراطية. وإذ لم يعد مجدياً طرح السؤال المعروفة إجابته عن صانع هذا العجز طوال عقود مضت، فإنه يظل لا مناص من السؤال عمن يهيئ الشعوب للتمتع بحياة إنسانية. الجزء المؤكد من الإجابة هنا هو: ليس تقدميونا ولا ليبراليونا، قبل إسلاميينا.. باعترافهم هم!
(الغد)