حملة لطيفة ولا أروع، ذلك الموقف الذي تبناه كوكبة من فرسان كلية البولتيكنيك للوقوف في وجه مافيا تجار الغذاء داخل حرم كلية البولتيكنيك، سرعان ما انتشرت أصداؤها ووصلت عدواها إلى الجامعات الأخرى.
هذا موقف ايجابي يسجل للطلاب القائمين على الحملة، الذين أوصلوا كلمتهم إلى المسئولين بطريقة حضارية معبرة، ترقى إلى المستوى الفكري والأخلاقي الذي وصل إليه طلاب الجامعات الحقيقيين، البعيدين عن التعصب والانفعال.
ما يؤسف له تلك المواقف المضادة التي انطلقت من المتضررين وأعوانهم للتصدي لتلك الحملة بعد أن ألحقت وتلحق بهم ضررا فادحا.
كنا نتمنى لو أن الوقوف بوجه تلك الحملة كان بنفس أسلوب انطلاقها، فهي حملة معبرة عن رأي معظم الطلبة المتضررين من ارتفاع أسعار الكافيتريات داخل الحرم الجامعي التي باتت تطاول أسعار الفنادق ومطاعم الخمسة نجوم.
إن اللجوء إلى التحقيق مع أعضاء الحملة أحيانا والتعدي عليهم بالضرب أحيانا أخرى، يعبر عن مستوى الرجعية والتخلف وقمة الديكتاتورية في الصروح العلمية التي تُعلم الطالب أن حرية الكلمة والموقف هي المقدمة الأولى للديمقراطية.
فكيف لجامعاتنا معقل الحرية أن تدعي الديمقراطية وهي تمارس أسلوب القمع بحق طلبتها لمجرد أنهم اتخذوا موقف المقاطعة احتجاجا على ارتفاع الأسعار، بهدف دفع المسئولين إلى اتخاذ قرار ايجابي يحقق مصلحة الطلبة.
تصوروا لو أن هؤلاء الطلاب مارسوا التكسير والتخريب، بماذا سنصفهم عند ذلك، وعلى من سنلقي اللوم، ومن سنحاسب؟
بالأمس القريب حدثت العديد من المناوشات داخل حرم العديد من الجامعات، وأثارها ما زالت ماثلة للعيان، وتعطلت الدراسة في جامعة البلقاء التطبيقية جراء ذلك لمدة تجاوزت العشرة أيام، وتحرك المسئولين على كافة المستويات لتطويق تلك المشاكل وبالكاد سيطروا عليها وعلى تداعياتها التي كادت تعصف بالعملية التعليمية برمتها، وكالعادة تم إلقاء المسئولية على فاعل مبني للمجهول، متجاهلين أن لا شيء يحدث من فراغ، ولا بد من مقدمات لكل حدث مهما كان نوعه، ولا بد من مسئولين كامنين خلف هذا الحدث.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتصرف بها المسئولين بشكل خاطئ طالما بقينا نفكر بهذا المستوى من التخلف والرجعية، دافعين الطلاب إلى اتخاذ موقف مضاد وأكثر عنفا.
وكم كنا نتمنى لو أن تلك الحملة انتقلت عدواها إلى المجتمع، بحيث يتم مقاطعة كل السلع التي ترتفع أسعارها بشكل جنوني وغير مبرر من قبل تجار جشعين يدعون الوطنية والانتماء بأقوالهم، وأفعالهم تخلف ذلك 180 درجة حين تصبح الديمقراطية والحرية سيفا مسلطا على رقابهم وتلامس حدود مصالحهم بسوء.
كلنا يعلم أن أصحاب تلك الكافيتريات والاكشاك هم من المتنفذين ونربطهم العديد من المصالح مع مسئولي تلك الجامعات بطريقة أو بأخرى، وهذه حلقة من حلقات الفساد التي ينبغي الوقوف بوجهها، فالأصل هو حماية الطلبة وتشجيعهم ودعمهم وليس استغلالهم من قبل ثلة باتت لا تخشى الله طالما وجدت لها أعوانا تحميها من الفساد.
ما يجري بحق الطلاب وبحق المجتمع يعتبر وصمة عار في جبين كل من يمارس ذلك سواء كانوا تجارا أو مسئولين، والأجدر بنا أن نقف على جذور تلك المشكلة ونجد الحلول العادلة ولن أقول التوفيقية بعد أن أصبحت العملية التعليمية ترهق كاهل أولياء الأمور من كافة النواحي ولا سيما المادية منها.
بوركت تلك الحملة وبورك القائمين عليها، وهذه دعوة لكل طلاب الجامعات لاتخاذ نفس الموقف، مثلما هي دعوة للمجتمع المحلي لاتخاذ خطوة ايجابية في وجه التجار واتخاذ موقف المقاطعة تجاه أي سلعة يرتفع سعرها عل وعسى أن يتراجع تجار الوطنية قليلا عن طمعهم وجشعهم.