أوكرانيا بين الشرق والغرب
د.حسام العتوم
05-12-2013 05:40 PM
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وجدت أوكرانيا نفسها حائرة بين الشرق الروسي والغرب الأوروبي والأمريكي فهي من جهة دولة مستقلة ذات سيادة ومن حقها أن تبني لنفسها علاقات دولية متوازنة ومن جهة أخرى فإن تاريخها مرتبط بالبناء السوفييتي بزعامة روسيا الفدرالية، واقتصادياً لا زالت مرتبطة بها وفق اتفاقية للتجارة الحرة منذ عام 2011 من شأنها أن تحافظ على توازن العلاقات بين البلدين و الشعبين الشقيقين والجارين اللذين يعيشان حياة متداخلة وعادات وتقاليد متقاربة، والمناطق الحدودية تتحدث لغة ممزوجة باللغتين الأوكرانية والروسية، وفي المقابل فإن النسيج الديمغرافي الأوكراني 77% والروسي 18% من أصل أكثر من 45.5 مليون نسمة وتجمع سكانهم في الجناح الشرقي المحاذي لروسيا يجعل أوكرانيا تقع تحت جاذبية شعبية تجاه روسيا وهي مكتظة بالصناعة، وفي الجنوب حيث مدينة سيفاستوبل يرسو الأسطول الروسي العسكري على ضفاف البحر الأسود، ويقابل هذه المعادلة تيار شبابي محسوب على تيما شينكا رئيسة الوزراء السابقة السجينة يدعو للدفع ببلادهم تجاه الغرب الأوروبي الأمريكي وهو نفسه الذي قاد سابقاً ثورة الأورانج متشابهة التوجه دون حسبة رقمية لتكلفة استيراد الغاز من أوروبا بينما هو الغاز الروسي بسعر منافس ومليار دولار هي ديون أوكرانيا لروسيا جراء استيراد غاز سابق.
في أوكرانيا اليوم مجموعة من الأحزاب البرلمانية مثل حزب الأقاليم الحاكم، وتحالف الوطن المعارض بقيادة السجينة يوليا تيموشينكا، والشيوعي، والضربة بزعامة الملاكم الشهير السابق فيتالي كليتشكو، والحرية اليميني المتطرف، وهي مجتمعة اليوم تقرر بوصلة الرئاسة الأوكرانية بقيادة الرئيس المنتخب فيكتور يونوكوفيج، وترى روسيا بقيادة فلاديمير بوتين بأن مستقبل أوكرانيا لا يقبل القسمة على اثنين وبأنه لن يكون إلا مع روسيا وليس مع الغرب لكي لا يتضرر اقتصاد كل من أوكرانيا وروسيا معاً وفقاً لاتفاقات اقتصادية تمتد حتى عام 2019م وهي لن تتغير لأي سبب كان، وسيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي في بروكسل ينتقد الناتو والتصريحات التي تتدخل في الشأن الأوكراني ويعتبر الأزمة الأوكرانية تخص الأوكران فقط وتتطلب حلها عبر احترام الدستور.
أوكرانيا اليوم حائرة بين تحمل درجة البرودة الشتوية التي تصل إلى أقل من ( - 20 ) درجة مئوية، وبين الاقتصاد المتراجع الذي يعاني من الركود والفقر والبطالة بسبب الانتقال من الاقتصاد المخطط له في العهد السوفييتي إلى اقتصاد السوق الحر الباحث دوماً عن أسواق جديدة، وظهر اقتصاد المقايضة للسيطرة على وضع العملة الوطنية (هريفنا) المتضخمة أمام الدولار الأمريكي، وتم عام 1991 تحرير الأسعار لمكافحة النقص في المنتجات ودعمت الزراعة والصناعة بالنقد غير المكشوف وتوجهت للخصخصة وأبقت الشركات الحكومية تحت سيطرة الدولة، وفي عام 1999 انخفض الناتج الإجمالي غلى أقل من 40% بالمقارنة مع 1991 ثم تعافى عام 2006، وارتفعت نسبة الصادرات إلى 10% النمو الصناعي كذلك، وفي عام 2008، عصفت بأوكرانيا أزمة اقتصادية خانقة لا زالت مستمرة حتى هذا العام واستقرضت من البنك الدولي ما قيمته 16.5 مليار دولار، وقدر الناتج الإجمالي المحلي عام 2007 بحوالي 360 مليار دولار (المرتبة 19 عالمياً) ودخل الفرد بـ 7.800 دولار (المرتبة 83 عالمياً) و وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2003 فإن 4.9 من الأوكران يعيشون تحت مستوى 2 دولار أمريكي في اليوم و 19.5% منهم يعيشون تحت خط الفقر.
قال رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين بإن ما يجري في اوكرانيا من فوضى هو ليس ثورة وإنما هي خطط أعدت سابقاً يقودها الغرب للسيطرة على الانتخابات الرئاسية عام 2015، وبأن التقارب الأوكراني الأوروبي سيحول بلاد الأوكران لسوق اقتصادي لأوروبا وليس العكس، وعلق قينادي زوقانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي على الحدث الأوكراني الاقتصادي الجديد هذا بأن الوحدة الحقيقية ا لمفيدة لأوكرانيا هي فقط مع روسيا وبيلاروسيا وما يجري هو فوضى فقط، وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي بأن أوكرانيا ستموت إذا ما دخلت الاتحاد الأوروبي، وبان أوروبا لن تدعمها مالياً حسب صحيفة ذي تلغراف الأوروبية.
هم بضعة الاف من الأوكران سرعان ما تحولوا إلى مليون تجمعوا في (الميدان) و (الاستقلال) و (الخريشاتيك) وهتفوا ولا زالوا وسط الأجواء النهارية والليلية الباردة ضد نظام رئيسهم المنتخب لخمس سنوات فيكتور يونوكوفيج الموالي والمنسجم مع موسكو، ومع التوحد مع الاتحاد الأوروبي الذي يريدهم سوقاً لصناعاته وليس سوقاً لبطالتهم وفقرهم، ولم يصوت الاتحاد الأوروبي حتى الساعة لانضمام أوكرانيا إليه ولم يلغي تأشيرة الفيزا للدخول والخروج بقصد العمل أو السياحة، والأوكران قلقون اليوم في مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم على لغتهم الوطنية غير القادرة على الصمود أمام الزحف التاريخي للغة الروسية على بلادهم منذ أن كانت سوفيتية والتي هي عالمية بالمقارنة مع لغتهم محدودة الانتشار رغم سعة الرقعة الديمغرافية لديهم، وفي المقابل لم تعد أوكرانيا مقتنعة بالنظام الاشتراكي الذي ورثته عن الاتحاد السوفيتي ولديها رغبة بتجريب الرأسمالية والسوق الحر كما هي في بلاد الغرب، وهي تفتخر بدستورها لعام 1996.
أوكرانيا حزينة على ما يجري في سوريا من أحداث كانت إصلاحية وتحولت إلى دموية بعد انقلاب الربيع العربي رأساً على عقب، وهذا الحزن هو ما كنت ألمسه من لقاءاتي الأخيرة بالسفير الأوكراني بعمان سيرجي باسكو، وإن كانت أوكرانيا لا تزج نفسها بالسياسة الشرق أوسطية تاركة هذا المجال لروسيا فإن لديها ما يكفيها من قضايا اقتصادية حتى أن نظرتها للشرق وللغرب هي اقتصادية بحتة وتبحث بنفس الوقت تحت أشعة الشمس عن تعزيز استقلالها وهذا حق مشروع لها خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وابتعاد أوكرانيا تدريجياً عن فضائه ورغبتها حالياً بالابتعاد عن الفضاء الروسي نفسه، لكن مشكلة احتياطها وانتاجها المتواضع من الغاز الطبيعي بنسبة 25% واعتمادها على 35% منه من روسيا و 40% من آسيا الوسطى وتجديفها باتجاه التفاوض الدائم مع روسيا ومع آسيا الوسطى (تركمستان) يجعلها أيضاً تتذكر المجاعة التي أصابتها في التاريخ السوفيتي وإلى جانبه عامي 1932 و 1933.
العلاقات الأردنية الأوكرانية في تطور مستمر وزيارة الزعيمين جلالة الملك عبد الله الثاني للعاصمة كييف عام 2011 والرئيس يونوكوفيج لعاصمتنا عمان عام 2012 انتجت توقيع 18 اتفاقية هامة في مجالات الاستثمار والثقافة والتعليم، وبلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 560 مليون دولار وتعتبر الأدوية الأردنية أهم الصادرات للسوق الأوكراني، وتم تأسيس مركز تجاري أردني أوكراني مشترك في عاصمتينا، و 2000 طالب أردني يقصدون أوكرانيا للدراسة هذا العام 2013، وتعاون ملاحظ على مستوى التعليم العالي بين بلدينا لترتيب اعتماد معاهد وجامعات مؤسسات التعليم العالي الأوكرانية والدرجات العلمية الصادرة عنها، وعلاقات ثقافية متميزة وأسبوع ثقافي أوكراني عقد في عمان بمناسبة الذكرى 199 لميلاد أديبهم وشاعرهم المشهور تاراس شيفتشينكو التي تحمل جامعة في العاصمة كييف اسمه، وهو بالمناسبة الوحيد الذي مزج أدبه باللغتين الأوكرانية والروسية واعتبر أوكرانياً وروسياً بنفس الوقت، وله مواقف أدبية ضد الظلم والاستبداد في عضره وتوفي عام 1861، وفيلم أوكراني عن المواقع الأثرية والسياحية الأردنية لترويجها وسط الأوكران، وفي الختام أتمنى لجمهورية أوكرانيا الاستقرار والازدهار وللعلاقات بين بلدينا وشعبينا العظيمين التقدم الدائم.