رغم أنّ عدد الأردنيين المنخرطين في صفوف "القاعدة" في سورية غير معروف بصورة دقيقة تماماً، إلاّ أنّ تقديرات قيادات نافذة في التيار تذهب إلى أنّهم بحدود 500 شخص، قُتل منهم قرابة 100، أغلبهم من الشباب، وبعضهم ترك جامعته أو زوجته وأطفاله، وذهب إلى هناك بعدما جمع ثمن السلاح وتكاليف السفر والتهريب!
لا تكمن المفاجأة هنا، بل في أنّ هناك مئات آخرين مستعدون ومتأهبون للذهاب إلى سورية، يمنعهم من ذلك الصعوبات المالية والواقعية. ولو كانت الحدود مفتوحة، كما يدّعي النظام السوري، لأصبح عدد الأردنيين المقاتلين في "القاعدة" وحدهم أضعاف هذا العدد!
لو أنّ القضية مرتبطة بالعواطف الدينية والوطنية التي تدفع بالشباب من مختلف بقاع العالم، بما في ذلك أوروبا، للذهاب إلى سورية، والقتال في مواجهة هذا النظام المجرم، لكان ذلك بمثابة ظاهرة طبيعية. لكن جميع هؤلاء من التيار السلفي الجهادي حصرياً، وينضمون فور وصولهم وتدريبهم، على الأغلب الأعم، إلى أحد فصيلي "القاعدة"؛ جبهة النصرة أو "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام)!
المشكلة تكمن في أنّ "القاعدة" تقاتل بدوافع وأجندة مختلفة عن قوى الثورة الأخرى، حتى تلك الإسلامية، ولها صلاتها الخارجية. والنتائج المترتبة على صعود "القاعدة" في المشهد السوري تضرّ بالثورة ولا تخدمها، فضلاً عن أنّ "داعش" تحديداً، متورطة بدرجة كبيرة في الصراع مع الفصائل الأخرى، وقتل العديد من القيادات، وقد أصبحت عبئاً كبيراً على الثورة والثوّار، وورقة ذهبية بيد النظام السوري لقلب معطيات الصراع والمواقف الدولية والإقليمية!
إذن، عندما يذهب أبناؤنا إلى سورية وينخرطون في "القاعدة"، يزدادون ارتباطاً بهذا الفكر الراديكالي، وانتماءً لرؤية دينية وسياسية متطرفة.
ما هو جدير بالملاحظة والاهتمام، أنّ الأردنيين تحديداً يمثلون، اليوم، أبرز قيادات "القاعدة" في سورية، عسكرياً وعلمياً! فالمسؤول الشرعي في جبهة النصرة، هو شاب أردني حاصل على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية؛ والمسؤولون عن الجناح العسكري في الجبهة في مناطق الجنوب، هم شباب أردنيون. والحال في "داعش" لا تختلف كثيراً. ويمكن أن نضيف أنّ أبرز منظّري السلفية الجهادية في العالم، وذوي الكلمة المسموعة من هذه الفصائل في سورية، هم أيضاً أردنيون!
المفارقة تكمن في أنّ كثيراً من هؤلاء الشباب كانوا مغمورين في الأردن، وأغلبهم لا توجد لهم نشاطات ملحوظة ولا كبيرة، وبعضهم مجرد موظف أو طالب جامعي. وعندما يذهب إلى هناك يصبح شخصاً قيادياً، واسماً كبيراً، بينما لم يجد هنا فرصة بديلة لتفريغ طاقته وملء طموحه، ولا حتى توجيهاً إعلامياً ودينياً بهذا الهاجس!
بالنتيجة، لدينا "تربة خصبة"، ولا أقول حاضنة اجتماعية، للتيار السلفي الجهادي، في مناطق متعددة، مثل المخيمات، والرصيفة، والزرقاء، وعمان الشرقية، والسلط، ومعان. وأهم عناصر هذه التربة، هي حالة الإحباط وخيبة الأمل، وتفكّك الطبقة الوسطى، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، والبطالة، والفراغ الفكري والانسداد السياسي، وإضعاف القوى الإصلاحية-المعتدلة التي تملك القدرة على توفير البديل الثقافي والفكري والسياسي!
هذه التربة التي أنتجت التيار الجهادي، هي نفسها التي تقوم اليوم بإنتاج جيل آخر من الشباب الأردني، لكن في الاتجاه المعاكس من التطرف، مع انتشار المخدّرات في الجامعات. وكذلك نمو ظواهر غريبة عن المجتمع، تحت وطأة الفقر والحرمان والشعور بغياب العدالة، وبفضل السياسات الرسمية، سياسياً واقتصادياً، التي أنهكت الطبقة الوسطى وضربت التيارات الإصلاحية المعتدلة، وفصّلت المناخ المناسب لـ"التطرفات" والعنف في الاتجاهات المختلفة!
المطلوب، أولاً وقبل كل شيء، الاعتراف بحجم المخاطر التي تحيط بالأجيال الجديدة، وبالانهيارات الاجتماعية والثقافية، والتوقف عن سياسة "دفن الرأس في الرمال". ثم بعد ذلك، فقط، نفكّر في الحلول! (الغد)