ربيحات يكتب: مذكرات شرطي أردني أصبح وزيراً
04-12-2013 08:55 PM
الامن العام.. قبل 36 عاما قادني القدر لاكون شرطيا... قابلت مدير الامن العام آنذاك المرحوم غازي عربيات.
كان رجلا يفيض عنفوانا وحيوية... كان اول القادة الذين شاهدتهم عن قرب.. دعاني لمكتبه، جلست قبل ان اعرف الالقاب (الباشا والبيك) طلب ان يحضر مدير شؤون الضباط والافراد الرائد عوني مسمار وابلغه على مسامعي بأن يرسلني الى كلية الشرطة قبل نهاية هذا اليوم ليتم تدريبي لألتحق بمكتبه باحثا اجتماعيا..
اجاب عوني بيك بأن لا دورات منعقدة الان فاجاب الباشا رحمه الله فلتعقد له دورة خاصة... أريده ان يلتحق اليوم ويتخرج بسرعة ويلحق بمكتبي. لم يراجع مدير شؤون الضباط والافراد ونفذ الامر وكلف الوكيل محمد خير ان يتولى استكمال اجراءات التجنيد..
ذهبنا الى المركز الطبي المجاور والبصمة ومن ثم الى الكلية بعد ان احضرت حقيبة ملابسي الصغيرة من حي الطفايلة.
دخلنا الكلية؛ الوكيل محمد خير وانا.. تركني انتظر ودخل مكتب مساعد آمر الكلية محمد علي الطوالبة.. أخبره بفحوى الكتاب ورغبة الباشا المدير.. على الفور تقرر إلحاقي بدورة لمرشحين من دول الخليج العربي (قطر والامارات) وشرع مدرب المشاة الرقيب احمد قاسم بإنزالي الى ميدان المشاة بعد تسلمي للعهدة وانتظاري لنتائج فرز الملابس والبشاكير والاحذية والشروحات المطولة التى قدمها لي الشرطي محمد البطوش مأمور عهدة الكلية انذاك الذي تخمن من نبرة صوته وثقته الزائدة وشروحاته التفصيلية وكأنه يقود سرية من سرايا الهجوم التي قام على تأسيسها كلوب باشا في الاربعينيات من القرن الماضي.
جرى تعريفي من قبل المدرب على مرافق الكلية وجناح التلاميذ الخليجيين والثكنة التي تحدد ان اقيم فيها ومواقع الميس والذخيرة والحلاق والمطعم والحمامات ومنامات الضباط وميدان الرماية الالكتروني وغرفة السينما ودكان الشرطي ونادي الضباط وقاعات المحاضرات والمسجد ومكتب النقليات وقسم التجهيز وبركة السباحة.....
وبعد ذلك شرح لي مواعيد النوم والصحيان والطوابير المختلفة ومواقيت المحاضرات وطرق تنظيف البسطار واهمية استخدام القطن والبراسو في تلميع النحاسيات والكيوي والقطن وتسخين بوز البسطار...
منذ ذلك اليوم؛ وانا احترم روح الانضباط التي تسري في ارواح وجنبات ونبرات اصوات المدربين... بعد انتهاء امتحانات الفصل الاول حصلت على علامات كاملة في كثير من المواضيع فأعجب ذلك العقيد نصوح محي الدين مدير الكلية آنذاك فرفع مذكرة لمدير الامن العام ينسب فيها تخريجي وان ابقى على مرتب الكلية مدربا.
وكم اسرني ذلك واظن انه اكسبني احتراما فائقا لنفسي التي لا زالت تبحث عن تعريف لمن انا. احسست يومها انني احقق نبوءة الباشا الذي امر بتجنيدي بشكل استثنائي وباصرار شديد... كما شعرت بأنني حزت على ثقة وتقدير اعلى شخصية شرطية اوكل لها اعداد وتأهيل الكوادر ورأت في شخصي مشروعاً لمدرب رغم اني لم امضِ في الجهاز غير خمسة شهور.
ومضيت في رحلة العمل والتعليم والتدريب.. وكان من افضال الرجال الذي عرفوني وعرفتهم ان رشحت الى بعثة دراسية لأكون اول ضابط امن اردني يوفد للحصول على درجة الدكتوراة من الولايات المتحدة الامريكية.. وقد تحقق ذلك وعدت لاعمل في ميادين التدريب والتخطيط والمعلومات ومراكز الاصلاح وادارة المخيمات للاجئين ومكتب مدير الامن العام وغيرها وغيرها.
وفي كل المواقع اعطيت ما تمكنت ان اعطي بحب وحس عال بالكرامة والزهو إلى ان جاءت اعارتي الى مؤسسة وطنية هامة والعمل في ادارة البرامج التنموية لمؤسسة نور الحسين ومن ثم الى الاعلام والاستشارات والتعليم الجامعي والاستشارات والخبرة على الصعيدين العربي والاممي ومن ثم العمل الحكومي.
اود ان اقول ان العمل الشرطي ليس زهوا بالرتب ولا ممارسة لسلطة ولا مناسبة لاستغلال الوظيفة في تيسير اعمال الاقارب والاصدقاء ولا فرصة لتخويف وترويع الجيران والمستأجرين الرافضين لتسليم المملوك واخلاء المأجور.
العمل الشرطي يتيح لنا ان ننوب عن المجتمع في تنفيذ القوانين.. فالمجتمع يلبسنا زياً مميزاً وسيارات تحمل علامات خاصة. ولا يسمح لغيرنا بحمل السلاح فهو حكر علينا لا لنسيء استخدامه بل لنحمي ارواح واعراض وممتلكات الناس؛ فلننهض بهذه المسؤولية ونبرهن على اننا نستحق الثقة.
رحم الله ضباط وافراد الامن العام الذين قضوا في سبيل الواجب وتحية لكل الذين حافظوا على نظافة ايديهم ونقاء ضمائرهم قبل وبعد اكتمال وثيقة النزاهة الوطنية.
بالمناسبه رقمي الشرطي 1234