سِيَبوَيْهِ دكتاتورُ النحوِ ومُحنّطُ العربية (5)
د.عودة الله منيع القيسي
04-12-2013 02:06 AM
بعض المثقفين الذين قرأوا مقالتي الأولى عن – ديكتاتورية سيباويه – طالبوني – مشكورين – بأن أوضح الإصلاح الذي أراه يخرج – الفصحى – من قيد التجميد , وأقول : أنا ماضٍ ، في بضع مقالات لتوضيح القواعد التي وضعها سيبويه والتي جمدت الفصحى ، لكن الجواب الكامل عنالإصلاحات والتغييرات التي قدمتها عن بعض قواعد سيويه في كتابي المسمى(رؤىً – نحوية وصرفية – تجديدية )المكون من أربعة أجزاء والمطبوع في – دار البداية /عمان – طلعة الشابسوغ – هـ 4640679
6- ومن أسباب ذلك-التجميد والتحنيط- أخطاؤهم الكبيرة .. بأنهم اعتبروا كلّ ماجُمع من اللغة يجب الحفاظ عليه، والبحث عن –تبرير-لإعرابه. وهذا ..أوقعهم في التكلف، وأوقع الناس في كراهة النحو، وكراهة اللغة العربية(مع أن العربية من أسهل اللغات)(14).
لأن بعض ما جُمع منحرف عن سليقة الفصحى، وكان يجب أن يحوّل إلى الدراسة (الأنثروبولوجية)-لا إلى الدراسة- النحْويّة.
..ومن ذلك –مثلاً- ما قاله سيبويهِ، عن عمل –(ما)- النافية؛ قال: (أمّا أهل الحجاز فيشبهونها ب –ليس- إذْ كان معناها كمعناها).
… ( وأما بنو تميم.. فيجرونها مجرى – أمّا وهل – أي : لايُعملونها في شيئ، وهو القياس! – لأنه ليس – بفعل – وليس (ما) كليس، ولا يكون فيها إضمار(15))!.
أقول:.. فبنو تميم يقولون مثلاً: ما الطيبُ إلا المسكُ) – بضمّ آخر – الطيب- وآخر- المسك. أما أهل الحجاز فيقولون: (ما الطيبُ إلا المسكَ) – بضم آخر الطيب، وفتح آخر المسك.
و واضح أن تعليل سيبويْهِ قاصرٌ؛ لأن الفيصل في هذا الأمر هو معنى – التركيب- فمعنى (ما) في هذا التركيب، وأمثاله كمعنى (ليس) – لأن الأثنتين – تنفيان- عدم اختلاف الطيب عن المسك. وكون " ما" ليست بفعلٍ كذلك " كأنك قلت- تماماً-عن (ليس) إنها ليست بفعل، وأمّأ أن (ما) ليس فيها – إضمار [ أي: ضمير]- فإن (ليس) تخلو من الإضمار، ومن هذا يبين أن إجراء (ما) إجراء (أمّا وهل)- هو انحراف بها- عن حركة ما تؤدي مثل معناه .
( والمعنى هو الأصل ،وليس صورة اللفظ ).إلى ما لا تؤدي مثل معناه.
- وأهم من هذا، وأقوى.. أن القرآنَ الكريمَ- أفصَح نصٍّ في العربية- أعمل (ما)- فقال تعالى عن معنى ما قاله نِسوةُ الأرستقراطية الفرعونية، وصفاً ليوسف- عليه السلام-: [ماهذا بشراً]- (يوسف-31- ).
فهل تُوازى بلغة القرآن لغة أخرى؟، وهل يجوز أن تخالف لغةَ القرآنِ- لغةٌ أخرى وأن نقبلها؟، ولا سيما في الحركات؟!- هذا.. لا يجوز ولا يصّح.
.. على هذا- فما قاله سيبويْهِ هو – غفلةٌ- عما ورد من استعمال للحركات، في أفصح كتاب- وذهاب إلى تعليل هو أقرب إلى- التبرير- أمَا قالوا: (أضعف من حُجّةِ نحْويٍّ)؟-
- وإذن .. ماذا نفعل في تعبير بني تميم؟
- الجوابُ: إن اللغة التي يُراد لها الحياةُ الخالدةُ- ويُراد لها أن تكون سهلة على الناس، يجب أن تقوم على (نظام) واحد في حركات الإعراب- خاصةً ( لا في علامات بنِْيَةِ الكلمات) التي يمكن أن يحدث فيها بعضُ الاختلاف، كأن يقال: كَفَلَ – بفتح الفاء في الماضي، وضمها في المضارع- أو- كفَل يكفَل- بفتح الفاء في الماضي وفي المضارع- فهذا.. لا ضيرَ فيه، (لأنه اختلاف لهجات)، بل يحدث تعدد الألفاظ في المعنى العام الواحد.
..أجَلْ- تقوم على نظام واحد في حركات الإعراب؛ لأن حركات الإعراب- في معظمها- لها دلالةٌ على -المعنى- ( وما كان ليس له دلالة- جاء "لاطراد" النسق)- وماكان من الحركات- له دلالة على المعنى- لا يجوز أن تختلف فيه الحركة على التركيب الواحد- كالمثل الذي أوردناه، عند بني تميم، وعند أهل الحجاز. (أمّا- ما كان اختلافاً بين النحاة، في المعنى.. فلا بأس – باختلاف الحركات فيه- مثال على ذلك: أنت- شاعراً- أبرعُ منك- خطيباً، فإذا قال نحوي: شاعراً- وخطيباً- تمييز. وقال آخر: شاعراً وخطيباً- حال .. فلا بأس بذلك، لأن الإعراب يتبع المعنى، عند كلٍّ من المُعْربيْن، أمّا في مثل ( ما الطيبُ إلا المسكَ)- فلا معنى لاختلاف الحركات على تركيب واحد؛ لأن هذا .. ناقضٌ، لسبب وجود النحْو.
- وإذن- مرة أخرى، نتساءل: ماذا نفعل في تعبير بني تميم؟ بناءَاً على ما تقدم.. نهمل حركة إعرابه، ولا نبقي إلا حركة الفتح على (المسك) وهي صورة إعرابِ قريش، بل- وإعرابِ القرآنِ-ونحوّل التركيب التميمي,بسبب رفع (المسك)إلى الدراسة الانثروبولوجية.
..على هذا- فكل إعراب يخالف إعراب لغة قريش، أو إعراب القرآن- يُهمَلُ.. وكل قول- إعرابُهُ خارجٌ على الإعراب المعتمد- (والمعتمد في المفعول – مثلاً- هو النصب) – يهمل هذا القول (ومثلُهُ بيت الشعر الذي أوردناه - سابقاً)، لأن اللغة التي يراد لها أن تستمَّر في الحياة، وتماشيَ الحياة- يجب- وجوباً- أن يكون لها- نظام- واحد، في حركات النحو- خاصّةً. لأن ما قالته القبائل العربية.. ليس فصيحاً فصاحةً أسطورية- وإنما أكثره صواب وفصيح، يجب التمسُّك به- وأقلّهُ غير فصيح، وغير صحيح، ولا يتسق مع - نظام- الفصحى- فيجب وجوباً أن يطرح – نحْوياً- وقد يدرس دراسة (انثروبولوجية)..... يتبع