شمال عمّان .. بورك فيكم!!
أ.د عمر الحضرمي
03-12-2013 02:29 PM
لا أعرف، بالتحديد، إلى من يجب أن أوجه حديثي هذا بعد جلالة سيّدنا، الراعي الأوّل لمسيرة الإصلاح، والحريص على أنْ لا يُغلق عينيه قبل أن تمتلأ جفوننا بالنوم والأحلام. وعلى كل حال فإن ما سأقوله اليوم له علاقة بالعمل العام في واحدة من مطارح المؤسسات الرسمية.
القصة باختصار، احتجت أن أراجع أراضي شمال عمان لاستصدار نسخة من سند تسجيل. دخلت القاعة وقد راجعت في نفسي جميع مفردات الترجّي والتوسل والاستجداء، وذلك خوفاً من أن أواجه ضرورة مفاجئة لاستخدام "كلمة" تساعدني على استجلاب شفقة "السيّد الموظف" حتى ينجز "المهمة الموكولة إليه أصلاً". وحتى لا أسمع منه ذلك الصراخ "ارجع لورا" أو "مش فاظيلك هسّه" أو "ارجع بكره" أو "إذا مش عاجبك ارجع بعد بكره"، إلى غير ذلك من الموشحات والرباعيّات التي لا تُبْقي ذُلاً إلا وتسكبه فوق رأسك. أقول دخلت إلى القاعة وأنا تحت هذا الإحساس لذا تحليّت بالصبر، وقلت في نفسي المهم أنْ أُنجز المهمة قبل موعد محاضرتي الذي بقي له ساعتان من الزمن دون الالتفات إلى حسابات الربح والخسارة في سياق الكرامة الشخصية. ولكن ما وجدت غير كل الذي توقعت، هناك شبابيك تحمل أرقاماً ودلالات لما يجري خلف كل واحد منها. وجدت محمد على الشباك (10) وماجدة على الشباك (11) ووجدت حنين على الكاونتر الخشبي، لا تسمع منهم إلا كل كلام طيّب. استغربت الحال إذ أن المعروف عن دوائرنا الحكومية أنها مَجْلَبة للعذاب.
جلست إلى أحد المقاعد ودارت بي الذكريات، حيث استعدت في ذهني جلسة لسيدي المرحوم سماحة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، قال إنه كان في حضرة جلالة سيدنا الحسين رحمه الله وأكرم نُزله، وكان مدار الحديث إنزال عقوبة بأحد المخالفين للقانون، فاقترح سماحته أن يُكلَّف هذا الشخص بمراجعة الدوائر الحكومية ثلاثة أيام متتالية، وأكد سيدي الشيخ أن الرجل سيتوب توبة نصوحا مقابل إعفائه من هذه العقوبة.
قلت في نفسي لأدخل مكتب مساعد المدير، فجلست هنيهة وجدت فيها سعة صدر وفهم كبير لحقيقة أن أحدنا عندما يراجع الدائرة الحكومية يريد أن تُنجز معاملته فوراً، وأنْ لا يُطالَب بتصحيح أي خطأ، وأن يقف له كل الناس على رؤوس أصابع أقدامهم. ثم تعمدت الجلوس قليلاً في مكتب المدير وأظنه محمد النسور، فكان أكثر اجتهاداً حتى من موظفيه، وسمعت أثناء مكوثي عنده مكالمتين هاتفيتين، إحداهما تلقّاها هو، والثانية مصدرها هو، وفي كليهما كان حثٌ متواصلٌ لموظفيه كي ينجزوا، وأن لا يؤخروا المعاملات، وأن يتعاملوا مع الناس بكل لطف وهدوء.
نهضت عندها وعرّفته بنفسي، وقلت له إني أستأذنك أن أكتب لعمون ما رأيت فبدا عليه الحرج، وردّ بكل تواضع لا أظن أن أداء الواجب يحتاج إلى إطراء أو مدح.
شمال عمان... بورك فيكم.