مصر الحائرة: المجتمع أقوى من الدولة
د. باسم الطويسي
03-12-2013 04:00 AM
مع انتهاء لجنة الخمسين من صياغة الدستور الجديد في مصر، تكون المرحلة الانتقالية قد تجاوزت العقدة الكبرى. ولكن التوافق على عقد اجتماعي وطني يمثله الدستور، ما يزال بعيد المنال.
يبدو ذلك في حجم المعارضة لبعض مواد الدستور الذي سيخضع للاستفتاء الشعبي قريبا؛ ليس من قبل جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، بل من قبل فئات اجتماعية وسياسية أخرى بدأت تعيد تنظيم نفسها من جديد، كما هي الحال في طلبة الجامعات المصرية.
وهؤلاء من المحتمل أن لا يكتفوا بالمعارضة السلبية على طريقة الإخوان الذين من المتوقع أن يقاطعوا الاستفتاء، فهم يرفضون العملية السياسية الراهنة برمتها، فقد نلمس من الفئات الجديدة معارضة فاعلة، من خلال تنظيم حملات كبيرة للتصويت بـ"لا".
تشكل محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية المسألة الأكثر إثارة للجدل وسط المصريين، على الرغم من أن اللجنة حصرتها في قضايا محدودة ذات صلة بالأمن القومي. إذ إن الأمر بحد ذاته يثير الاستغراب.
فالنظم الملكية التي لم تشهد ثورات، لكنها شهدت إصلاحات تدريجية وسارت من الأعلى إلى القاعدة، مثل المغرب والأردن، تخلت عن مسألة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، أو هي في طريقها للتخلص من هذا الأمر، كما هي حال الأردن. والأهم، هل هذه المسألة مكانها الدستور الذي من المفترض أن لا يُغيَّر كل يوم؟
المفترض أن الاستفتاء على الدستور الذي سيتم بعد شهر تقريبا، يقود إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، ما يعني نهاية المرحلة الانتقالية، والسؤال هو: هل يقود هذا السيناريو إلى تخلص مصر من الحيرة السياسية والثقافية التي تشهدها؟ وهل ستكون المرحلة الانتقالية قد أجابت عن أسئلة مصر الجديدة والقديمة، التي يُفترض أن تحسم من خلال العقد الاجتماعي الجديد، وأهمها أسئلة القيم الكبرى بشأن الدين والدولة ومكانة الدولة المدنية؟
يبدو أن الأحداث في المرحلة الانتقالية قد زادت الأمور تعقيدا بعد الحكم القضائي بحل جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها جماعة محظورة. والأحكام القضائية ليست حاسمة في هذا الاتجاه؛ فهذا الحل هو الثالث للجماعة.
والمفيد هنا التساؤل عن أي مدى تكفل القاعدة الدستورية الجديدة إنجاز دولة مدنية ديمقراطية، وإلى أي مدى تشرع حرية التنظيم السياسي على أساس ديني من دون أن يمس ذلك بجوهر الدولة المدنية الديمقراطية؟ وهذا هو الأمر الغامض الذي لم تحسمه مصر.
من باب التفاؤل، تعد الديمقراطية على الطريقة المصرية أحد التمرينات السياسية المهمة التي يمكن أن يبنى عليها.
فالإصلاح السياسي في بلد جعل نمط الإنتاج التاريخي السلطة السياسية المركزية فيه محصنة بستار من القوة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، وإنما يحتاج إلى عملية تاريخية لن تكون أصعب من مهمة تغيير مجاري مياه النيل التي نجح المصريون في تحقيقها أكثر من مرة.
المتفائلون باليوم التالي للدستور الجديد، يعتقدون أن الشروط المصرية الداخلية قد اقتربت من النضوج، كما أن الظروف الدولية الراهنة لن تسمح بأن يغلق النظام المصري النافدة أمام العالم.
بينما يدير تيار النبرة المتشائمة دفة الأمور نحو التذكير بأحداث كبرى في عهدي عبدالناصر والسادات، جرت في أجواء وفي أعقاب انتخابات أو استفتاءات؛ منها اعتقالات أيلول (سبتمبر) 1981، ومذبحة القضاة العام 1969 حينما تشدد عدد من القضاة في الإصرار على مطالبهم لضمان نزاهة الانتخابات، كشرط للإشراف عليها، وكذلك تأميم الصحافة في أيار (مايو) 1960.
هذا التيار يرى أن الصيف المصري قد قارب على الانتهاء، وأن ثمة كشوف حسابات طويلة منتظرة.الأهم من ذلك كله، أن الحساسية الجديدة لدى المصريين حيال الحاجة إلى الإصلاح وبناء ديمقراطية وطنية، تعد الأكثر وضوحاً في العالم العربي بأكمله، قبل الثورة وبعدها؛ فلأول مرة في تاريخ أقدم دولة في العالم، يصبح المجتمع أقوى من الدولة.
(الغد)