عبر النوافذ أم إلى الداخل؟!
د. محمد أبو رمان
03-12-2013 02:36 AM
تتكرر على ألسنة المسؤولين مقارنة بمن هو أسوأ حالاً منّا، وذكر لميزات الأمن والاستقرار اللذين ننعم بهما في البلاد. يتلازم مع ذلك شعور غامر بأنّنا عبرنا فترةً حرجة وقاسية خلال العامين الماضيين، وتجاوزنا منعطفات كبيرة، من دون أن يهتز الاستقرار والنظام، بخلاف ما حدث فيما يسمى بدول الربيع العربي، التي انتهت فيها الديمقراطية إلى دماء وفوضى وويلات ومشرّدين..!
هذا هو المنطق الرسمي السائد. وهو إن كان فيه -للأمانة- شيء متين من الوجاهة والحجّة، يتأسس على شعور المواطنين الأردنيين عموماً بالراحة والاطمئنان إلى حالة الأمن العام، وعدم الولوج إلى متاهات خطيرة، إلاّ أنّ القناعة التي تترتب على هذا المنطق لا تتمثّل بالضرورة في بقاء الحال الراهنة، وإنكار أهمية الإصلاحات الجوهرية الحقيقية، أو الادعاء بأنّ الأمن يتناقض مع الديمقراطية، أو حتى إدانة الربيع والثورات العربية، وكأنّها هي التي جرّت الثبور للشعوب العربية، أو القول بأنّ الشعوب العربية ما تزال غير مؤهلة للإصلاح.
بالطبع، تكمن الخشية في أنّ تنتهي هذه الخلاصات إلى القول بأنّ الحل والبديل الوحيد هو ما كان عليه الأمر قبل الثورات العربية! فمثل هذا المنطق، وإن كان يبدو متماسكاً وقوياً على السطح، ومسنوداً بهالة الواقع، إلاّ أنّه مسكون بالتناقضات والإشكاليات الداخلية، ويقفز عن حقائق ومعطيات مهمة ورئيسة، ويؤدي إلى خلاصات مغلوطة، تسير بنا في الاتجاهات الخاطئة؛ نحو تكريس الأزمات لا البحث عن حلول ومسارات متدرّجة صحيحة.
في المجمل، يقفز هذا المنطق عن أهم بند في الموضوع، والمتمثل في أنّ ما أوصلنا إلى الثورات العربية أو الانفجارات الشعبية، هو ذلك الواقع السلطوي الفاسد الذي تحكّم بالمجتمعات العربية خلال العقود الماضية، ووصل إلى ذروته في السنوات الأخيرة، عندما أغلق الأبواب والنوافذ أمام الشعوب للوصول إلى تغييرات سلمية جوهرية حقيقية في قواعد اللعبة السياسية.
حدثت الثورات عندما فقدت الشعوب القدرة على استنبات الأمل من وحل اليأس والإحباط اللذين هيمنا على المناخ العام في أغلب المجتمعات العربية. وكذلك مع الغرق في بحور البطالة والفقر، وفشل مشاريع التنمية، وقصور الفرص الاقتصادية، واختلال قيم العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون، وظهور الطبقية الفجّة والمداخل غير المشروعة للثروات، وانتشار مشاعر الحرمان الاجتماعي.. إلخ، مع غياب التمثيل السياسي الحقيقي الذي يمتص الأزمة السياسية، ويتحكّم بأبعاد الأزمة الاقتصادية.
مثل هذا الواقع البائس هو الشرط الموضوعي للانفجار أو الثورات أو حالة الفوضى والعنف. وهو ما يزال قائماً، بل يزداد ضراوة وتأثيراً مع لجوء الدول العربية إلى سياسات ليبرالية اقتصادية من دون كوابح اجتماعية، وبلا مشروعية سياسية عميقة!
ربما رفعنا سقف توقعاتنا وطموحاتنا مع الربيع العربي، وقفزنا في تلك اللحظة الروحية عن منطق السنن التاريخية والقوانين الاجتماعية، ونسينا أنّ حالة الديمقراطية والإنتاج والتحضر ليست وليدة لحظة خاطفة أو قرار سياسي، بل هي عملية متراكمة، ومخاضات متتالية، كما حدث في تاريخ الشعوب الغربية.
إلاّ أنّ ما يحصل اليوم ليس ثمرة الحرية والديمقراطية، بل هو محصول العفن والأمراض المترتب على فترات طويلة من الفساد والدكتاتورية وغياب الحرية. وكلما صمتنا عليها ازداد وضعنا سوءاً، وأصبحت الأمراض أكثر استعصاءً!
الخلاصة البديلة التي أريد الانتهاء إليها هنا، تتمثّل في أنّ تقديرنا وحمايتنا لقيمة الأمن والاستقرار، يتطلبان النظر إلى البيت الداخلي، لا من الشباك لما حولنا؛ لنفتش عن أزماتنا ومشكلاتنا، ونتطلع إلى الأمام نحو الإصلاح والتغيير والتطوير، سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، فالوضع الراهن هو "برميل بارود" لا ميناء سلام!
(الغد)